للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البصري١ فقال: يا إمام الدين، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة؛ وهم وعيدية الخوارج. وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان، ولا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة. فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟

فتفكر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا، ولا كافر مطلقا، بل هو في منزلة بين المنزلتين: لا مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة٢ من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل، فسمي هو وأصحابه معتزلة.

ووجه تقريره أنه قال: إن الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمي المرء مؤمنا وهو اسم مدح. والفاسق لم يستجمع خصال الخير وما استحق اسم المدح، فلا يسمى مؤمنا، وليس هو بكافر مطلقا أيضا، لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه، لا وجه لإنكارها، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة، فهو من أهل النار خالد فيها، إذ ليس في الآخرة إلا فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير، لكنه يخفف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفار.

وتابعه على ذلك عمرو بن عبيد٣ بعد أن كان موافقا له في القدر، وإنكار الصفات.


١ توفي الحسن البصري سنة ١١٠هـ.
٢ الأسطوانة: العمود أو السارية.
٣ عمرو بن عبيد "٨٠-١٤٤هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>