للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة التاسعة: في العناية الأزلية، وبيان دخول الشر في القضاء

قال: العناية هي كون الأول عالما لذاته بما عليه الوجود من نظام، وعلة لذاته للخير والكمال بحسب الإمكان، وراضيا به على النحو المذكور، فيعقل نظام الخير على الوجه الأبلغ في الإمكان، فيفيض منه ما يعقله نظاما وخيرا على الوجه الأبلغ الذي يعقله فيضانا على أتم تأدية إلى النظام بحسب الإمكان، فهذا هو معنى العناية, والخير يدخل في القضاء الإلهي دخولا بالذات لا بالعرض، والشر بالعكس منه وهو على وجوه: فيقال شر لمثل النقص الذي هو الجهل والضعف والتشويه في الخلقة، ويقال شر لمثل الألم والغم، ويقال شر لمثل الشرك والظلم والرياء، وبالجملة الشر بالذات هو العدم، ولا كل عدم، بل عدم مقتضى طباع الشيء من الكمالات الثابتة لنوعه وطبيعته. والشر بالعرض هو المعدم والحابس للكمال عن مستحقه، والشر بالذات ليس بأمر حاصل إلا أن يخبر عن لفظه، ولو كان له حصول ما لكان الشر العام. وهذا الشر يقابله الوجود على كماله الأقصى بأن يكون بالفعل، وليس فيه ما بالقوة أصلا فلا يلحقه شر. وأما الشر بالعرض فله وجود ما، وإنما يلحق ما في طباعه أمر ما بالقوة، وذلك لأجل المادة. فيلحقها لأمر يعرض لها في نفسها، وأول وجودها: هيئة من الهيئات المانعة لاستعدادها الخاص للكمال الذي توجهت إليه، فتجعلها أردأ مزاجا وأعصى جوهرا لقبول التخطيط والتشكيل والتقويم، فتشوهت الخلقة وانتقصت البنية، لا لأن الفاعل قد حرم، بل لأن المنفعل لم يقبل. وأما الأمر الطارئ من خارج فأحد شيئين: إما مانع للمكمل، وإما مضاد ماحق للكمال. مثال الأول: وقوع سحب كثيرة وتراكمها، وإظلال جبال شاهقة تمنع تأثير الشمس في الثمار على الكمال. ومثال الثاني: حبس البرد للنبات المصيب لكماله في وقته حتى يفسد الاستعداد الخاص. ويقال شر لمبادئها من الأخلاق، مثال الأول: الظلم والرياء، ومثال الثاني: الحقد والحسد, ويقال شر للآلام والغموم، ويقال شر لنقصان كل شيء عن كماله. والضابط لكله إما عدم وجود، وإما عدم كمال. فنقول: الأمور إذا توهمت

<<  <  ج: ص:  >  >>