البراهمة إنما انتسبوا إلى رجل منهم يقال له براهم، وقد مهد لهم نفي النبوات أصلا وقرر استحالة ذلك في العقول بوجوه:
منها أن قال: إن الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون معقولا وإما أن لا يكون معقولا. فإن كان معقولا فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه، فأي حاجة لنا إلى الرسول؟ وإن لم يكن معقولا فلا يكون مقبولا، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حد الإنسانية، ودخول في حريم الهيمية.
ومنها أن قال: قد دل العقل على أن الله تعالى حكيم, والحكيم لا يتعبد الخلق إلا بما تدل عليه عقولهم. وقد دلت الدلائل العقلية على أن للعالم صانعا عالما قادرا حكيما، وأنه أنعم على عباده نعما توجب الشكر، فننظر في آيات خلقه بعقولنا ونشكره بآلائه علينا. وإذا عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه، وإذا أنكرناه وكفرنا به استوجبنا عقابه، فما بالنا نتبع بشرا مثلنا؟ فإنه إن كان يأمرنا بما ذكرناه من المعرفة والشكر فقد استغنينا عنه بعقولنا، وإن كان يأمرنا بما يخالف ذلك كان قوله دليلا ظاهرا على كذبه.
ومنها أن قال: قد دل العقل على أن للعالم صانعا حكيما. والحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم، وقد وردت أصحاب الشرائع بمستقبحات من حيث العقل: من التوجه إلى بيت مخصوص في العبادة والطواف حوله، والسعي ورمي الجمار والإحرام والتلبية وتقبيل الحجر الأصم، وكذلك ذبح الحيوان، وتحريم ما يمكن أن يكون غذاء للإنسان، وتحليل ما ينقص من بنيته وغير ذلك، وكل هذه الأمور مخالفة لقضايا العقول.
ومنها أنه قال: إن أكبر الكبائر في الرسالة اتباع رجل هو مثلك في الصورة والنفس، والعقل، يأكل مما تأكل، ويشرب مما تشرب، حتى تكون بالنسبة إليه كجماد يتصرف فيك رفعا ووضعا، أو كحيوان يصرفك أماما وخلفا، أو كعبد يتقدم إليك أمرا ونهيا، فأي تميز له عليك؟ وأية فضيلة أوجبت استخدامك؟ وما دليله على صدق