فلما نهج لهم الطريق، واحتج عليهم بالحجج المقنعة اجتهدوا اجتهادا شديدا. وكان يقول أيضا: إن ترك لذات هذا العالم هو الذي يلحقكم بذلك العالم حتى تتصلوا به، وتنخرطوا في سلكه، وتخلدوا في لذاته ونعيمه. فدرس أهل الهند هذا القول ورسخ في عقولهم.
اختلاف الهند بعد وفاة برخمنين:
ثم توفي عنهم برخمنين وقد تجسم القول في عقولهم، لشدة الحرص والعجلة في اللحاق بذلك العالم، فافترقوا فرقتين:
فرقة قالت: إن التناسل في هذا العالم هو الخطأ الذي لا خطأ أبين منه، إذ هو نتيجة اللذة الجسدانية، وثمرة النطفة الشهوانية، فهو حرام، وما يؤدي إليه من الطعام اللذيذ، والشراب الصافي، وكل ما يهيج الشهوة واللذة الحيوانية، وينشط القوة البهيمية فهو حرام أيضا، فاكتفوا بالقليل من الغذاء على قدر ما تثبت به أبدانهم. ومنهم من كان لا يرى ذلك القليل أيضا، ليكون لحاقه بالعالم الأعلى أسرع. ومنهم من إذا رأى عمره قد تنفس ألقى بنفسه في النار، تزكية لنفسه، وتطهيرا لبدنه، وتخليصا لروحه. ومنهم من يجمع ملاذ الدنيا من الطعام والشراب والكسوة فيمثلها نصب عينيه، لكي يراها البصر وتتحرك نفسه البهيمية إليها فتشتاقها وتشتهيها، فيمنع نفسه عنها بقوة النفس المنطقية حتى يذبل البدن، وتضعف النفس، وتفارق البدن لضعف الرباط الذي كان بربطها به.
وأما الفريق الآخر: فإنهم كانوا يرون التناسل، والطعام، والشراب وسائر اللذات بالقدر الذي هو طريق الحق حلالا.
وقليل منهم من يتعدى عن الطريق، ويطلب الزيادة.
وكان قوم من الفريقين سلكوا مذهب فيثاغورس من الحكمة والعلم، فتلطفوا حتى صاروا يظهرون على ما في أنفس أصحابهم من الخير والشر، ويخبرون بذلك،