"كما أن الشهادة بكلمة الإخلاص شعار إيمان المسلمين، والتثليث علامة النصرانية، والأسباب علامة اليهودية، كذلك التناسخ علم النحلة الهندية. فمن لم ينتحله لم يك منها، ولم يعد من جملتها. فإنهم قالوا إن النفس إذا لم تكن عاقلة لم تحط بالمطلوب إحاطة كلية دفعة بلا زمان، واحاجت إلى تتبع الجزئيات، واستقرت الممكنات. وهي وإن كانت متناهية؛ فلعددها المتناهي كثرة، والإتيان على الكثرة مضطر إلى مدة ذات فسحة. ولهذا لا يحصل العلم للنفس إلا بمشاهدة الأشخاص والأنواع، وما يتناوبها من الأفعال والأحوال حتى يحصل لها في كل واحد تجربة، وتستفيد بها جديد معرفة. ولكن الأفعال مختلفة بسبب القوى، وليس العالم بمعطل عن التدبير، وإنما هو مزموم، وإلى غرض فيه مندوب. فالأرواح الباقية تتردد لذلك في الأبدان البالية بحسب افتتان الأفعال إلى الخير والشر، ليكون التردد في التواب منها على الخير فتحرص على الاستكثار منه وفي العقاب على الشر والمكروه فتبالغ في التباعد عنه، ويصير التردد من الأرذل إلى الأفضل دون عكسه". "وحقيق علينا أن نورد من كتبهم شيئا من صريح كلامهم في هذا الباب. قال باسديو لأرجن يحرضه على القتال وهما بين الصفين: إن كنت بالقضاء السابق مؤمنا فاعلم أنهم ليسوا ولا نحن معا بموتى، ولا ذاهبين ذهابا لا رجوع معه، فإن الأرواح غير مائتة ولا متغيرة، وإنما تتردد في الأبدان على تغاير الإنسان من الطفولة إلى الشباب والكهورة ثم الشيخوخة التي عقباها موت الدبن ثم العود. أو قال له كيف يذكر الموت والقتل من عرف أن النفس أبدية الوجود، لا عن ولادة، ولا إلى تلف وعدم، بل هي ثابتة قائمة، لا سيف يقطعها، ولا نار تحرقها، ولا ماء يغصها، ولا ريح تيبسها، لكنها تنتقل عن بدنها إذا عنق نحو آخر ليس كذلك، كما يستبدل البدن اللباس إذا خلق". "وقد كان اليونانيون موافقين الهند في هذا الاعتقاد" ثم أورد البيروني رأي سقراط في التناسخ وهو لا يختلف عما رواه عن الهنود.