اندملت سقط القصاص والدية وقال المزني رحمه الله يسقط القصاص ولا تسقط الدية لأنه عفا عن القصاص بعد وجوبه فسقط وعفا عن الدية قبل وجوبها لأن الدية لا تجب إلا بالاندمال والعفو وجد قبله فلم تسقط وهذا خطأ لأن الدية تجب بالجناية والدليل عليه أنه لو جنى على طرف عبده ثم باعه ثم اندمل كان أرش الطرف له دون المشتري فدل على أنه وجب بالجناية وإنما تأخرت المطالبة إلى ما بعد الإندمال فصار كما لو عفا عن دين مؤجل فإن سرت الجناية إلى الكف واندملت سقط القصاص في الأصبع بالعفو ولم يجب في الكف لأنه تلف بالسراية والقصاص فيما دون النفس لا يجب بالسراية وسقطت دية الأصبع لأنه عفا عنها بعد الوجوب ولا يسقط أرش ما تسري إليه لأنه عفا عنه قبل الوجوب وإن سرت الجناية إلى النفس نظرت فإن قال عفوت عن هذه الجناية قودها وديتها وما يحدث منها سقط القود في الأصبع والنفس لأنه سقط في الأصبع بالعفو بعد الوجوب وسقط في النفس لأنها لا تتبعض وأما الدية فإنه إن كان العفو بلفظ الوصية فهو وصية للقاتل وفيها قولان: فإن قلنا لا تصح وجبت دية النفس وإن قلنا تصح وخرجت من الثلث سقطت وإن خرج بعضها سقط ما خرج منها من الثلث ووجب الباقي وإن كان بغير لفظ الوصية فهل هو وصية في الحكم أم لا فيه قولان: أحدهما: أنه وصية لأنه يعتبر من الثلث والثاني: أنه ليس بوصية لأن الوصية ما تكون بعد الموت وهذا إسقاط في حال الحياة فإذا قلنا إنه وصية فعلى ما ذكرناه من القولين في الوصية للقاتل وإن قلنا إنه ليس بوصية صح العفوعن دية الأصبع لأنه عفا عنها بعد الوجوب ولا يصح عما زاد لأنه عفا قبل الوجوب فيجب عليه دية النفس إلا أرش أصبع وأما إذا قال عفوت عن هذه الجناية قودها وعقلها ولم يقل وما يحدث منها سقط القود في الجميع لما ذكرناه ولا تسقط دية النفس لأنه أبرأ منها قبل الوجوب وأما دية الأصبع فإنه إن كان عفا عنها بلفظ الوصية أو بلفظ العفو وقلنا إنه وصية للقاتل وفيها قولان وإن كان بلفظ العفو وقلنا إنه ليس بوصية فإن خرج من الثلث سقط وإن خرج بعضه سقط منه ما خرج ووجب الباقي لأنه إبراء عما وجب.
فصل: فإن جنى جناية يجب فيها القصاص كقطع اليد فعفا عن القصاص وأخذ نصف الدية ثم عاد فقتله فقد اختلف أصحابنا فيه فذهب أبو سعيد الإصطخري رحمة الله عليه إلى أنه يلزمه القصاص في النفس أو الدية الكاملة إن عفى عن القصاص لأن القتل منفرد عن الجناية فلم يدخل حكمه في وجوب لأجله القصاص أو الدية، ومن