وقد بلغني-أبقى الله جنابه منيع الحمى، رفيع المنتمى-أنه شرع في تأليف كتاب ترجمه ب «أسنى الوسائل في مختار الشعر والرسائل» يحتوي على غرر ما تخير ونقد، وأورده على ثاقب ذهنه فورد. كل ذلك مما أحدثه أهل العصر، من بديع نظم وبليغ نثر.
وأنه عند تصفحه أشعار الناس، وعرضها على ذكائه الذي عجزت عن لحاقه فطرة إياس؛ ووقفت دونه وقوف الطامع بين الرجاء والياس. وكان من بعض ما اقتضته حقيقة تأويله، وعقدت بصحته جملة تفصيله؛ أن يجعل أشعاري من أحظى الأشعار لديه، وأرفعها وأعزها عليه. وليس ذلك لغرابة في ألفاظها ومعانيها، لكن لقرابة لا يمكنه إلا صلة رحمها وتدانيها. وذلك أنه لما نظر بعين فطنته، وميز بذكائه وسالم فطرته؛ تبين أنها من الفائق الذي لا يلحق، والشاهق الذي لا يطرق. ولعمري إنها لذلك، وإن قصرت عن شأو الشعراء نظاما، وضعفت عن ذلك [١١٢/أ] المسلك حلولا وإلماها، فقد أحرزت بممدوحها جلالا وإعظاما؛ ومالت به في دوحة البلاغة غصنا ناعما، وطلعت في سماء البراعة بدرا تماما. ولا غرو أن المنازل تشرف بسكانها، وتغلو وترخص بجيرانها. وعلى هذا الدأب دأب، وإلى هذا المذهب ذهب وبه تمذهب.
والله تعالى يبقي بركته ويديم عافيته. ويتمم ما جنحت إليه طباعه، وسارع إلى تهذيبه من التواليف الشريفة والتصانيف المنيفة يراعه.
والسلام الأتم يعتمد كماله، ورحمه الله وبركاته. من معظم قدره أحمد ابن محمد الدباغ.