مبايعة المعتز فبايعوه وأجلسوه على سرير الخلافة. وضعف أمر المستعين ببغداد لأن دار الملك إذ ذاك كانت سامراء والمعتز بها مع جمهور العسكر وبها خزائن الأموال والسلاح. وخاف على نفسه منهم فنفذوا إليه وطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى ثم لما رأى ضعف أمره وقلة المال والعساكر عنده أجابهم إلى ذلك بشرط أن يعطوه خمسين ألف دينار ويقطعوه ما يرتفع منه ثلاثون ألف دينار ويقيم بالبصرة. فلما جرى ذلك قال له بعض خدمه: يا سيدي [٥٦ أ] إن البصرة وبيئة. قال: ويلك أيما أوبأ البصرة أو ترك الخلافة «٣١٨» ؟ وكان الّذي تولى أخذ البيعة على الناس ببغداد للمعتز القاضي ابن أبى الشوارب «٣١٩» وذلك بعد ما سمع من المستعين خلع نفسه وكان ذلك بالمسجد الجامع ببغداد. فإن الرسول المنفذ من سامراء جمع الخلائق بالجامع والقضاة والعدول وحضر المستعين فقال له القاضي ابن أبى الشوارب: يا أمير المؤمنين أشهد عليك بأنك قد خلعت نفسك من جميع ما كنت تتولّاه من أمور المسلمين، وإنك قد بايعت ابن عمك أبا عبد الله الزبير بن المتوكل على الله؟ قال: نعم اشهد عليّ بذلك. فقال له القاضي: خار الله لك أيها الأمير «٣٢٠» وسلّم إليهم القضيب والبردة وانحدر يريد البصرة فنفذوا وراءه من قتله بنواحي واسط «٣٢١» وجاء برأسه إلى المعتز وذلك في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين [ومائتين] وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر. وقتل وله ثلاث وثلاثون سنة.
وكان وزراءه «٣٢٢» : أحمد بن الخطيب، ثم أبو صالح بن يزداد، ثم محمد بن الفضل الجرجرائى.
وكان- رحمه الله- يدّعى معرفة الأدب ولم يكن يحسن شيئا منه ويتشاعر ولم يكن شاعرا. وكان مغرى بالتصحيفات «٣٢٣» وكان إذا جلس في مجلس الأنس يقول لندمائه: أيّ شيء يكون تصحيف مجدّة؟ فيقولون: لا نعلم فيقول هو: مخدّة فيقولون: أحسنت يا مولانا عين الله عليك. وكان يقول: أيّ شيء يكون تصحيف ناب ويومئ بيده إلى الباب، وأشياء من هذا وشبيهه.