فقال لأترجة: كأنى نفذتكم إلى هناك لترون القلاية وتنصرفون بالحسرة وإنما نفذتكم حتى إذا استحسن أحد منكم شيئا منها أخذه، وأنت يا أترجة ما أخذت شيئا؟ قال: لا! قال: أخطأت قم وخذ كل ما تريد. ثم قال لي: قم معه وخذ ما أحببت. قال: فقمنا ودخلنا القلاية وملأنا أكمامنا وخفافنا وفتحنا أقبيتنا وحشوناها بما قدرنا عليه من تلك الجواهر المثمنة والآلات النفيسة. ثم قلت:
ويلك يا أترجة متى نجد مثل هذا اليوم ومن أين يقع لنا مثل هذا المثكل يطلق أيدينا في ما جمعه الخلفاء في الدهور الطويلة؟ فقال لي: أيّ شيء أعمل ما بقي معى شيء آخر أحمل فيه. فقلت له: اخلع سراويلك وخلعت سراويلي وعقدنا أطراف التكك وملأناها وأخذناها تحت آباطنا وخرجنا نمشي مشى الحبالى فلما رآنا ضحك وكان قد دخل إليه ونحن في القلاية جماعة الجلساء فقالوا له: نحن ما ذنبنا؟ فقال: قوموا أنتم أيضا فقال المطربون: ونحن يا مولانا؟ فقال: وأنتم أيضا. فقاموا من بين يديه كالمجانين فانتهبوا القلاية وهو يضحك «٣١٥» .
قال ابن حمدون: فلما رأيت الأمر على هذه الصورة خرجت [٥٥ ب] مسرعا فاجتزت عليه كالمجنون أقصد القلاية فصاح بى: ويلك إلى أين؟ فقلت له: قد نسيت شيئا وصعدت القلاية والغارة قد وقعت فيها فمددت «٣١٦» يدي إلى سطل من ذهب كبير مملوء من المسك فأخذته معلقا في يدي وأنا أعالج الجهد الجهيد في حمله فاجتزت عليه وأنا على تلك الحال فقال لي: إلى أين؟ قلت: إلى الحمام يا سيدي وخرجت فأعطيته لغلماني فذهبوا بالجميع إلى بيتي.
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائتين واستشعر المستعين من باغر «٣١٧» وقيل له: إنه قد اجتمع جماعة من الأتراك وتبايعوا وتحالفوا على قتلك وقتل بغا ووصيف.
فاستدعى وصيفا وبغا الصغير وانحدر إلى بغداد في رابع محرم من هذه السنة وهما في صحبته وبقي الأتراك بسامراء متحيّرين فنفذوا جماعة لترضّيه واستلال ما في نفسه منهم فردّهم ولم يعد، فاجتمعوا وتشاوروا وقالوا: نبايع غيره. فاجتمع رأيهم على