عزم عليه القوم فبادر إلى المقتدر وهو بالحلبة فأعلمه بذلك وأدخله سالما إلى الدار وتأدّى مثل ذلك إلى الوزير فلم يرتقع به «٤١٣» وسار على عادته من ناحية الثريا والعساكر تسايره وعلى يمينه الحسين بن حمدان وعلى شماله فاتك المعتضدي، فلما بلغ إلى مكان يعرف بمقسم الماء «٤١٤» سلّ الحسين بن حمدان سيفه وضربه ضربة حلّ بها عاتقه فقال له: فاتك أيّ شيء تفعل؟ فثنى به وعاد وضرب الوزير ثانية وثالثة وضربه بعده وصيف بن سوارتكين فسقط ميتا ووقع النهب في دوره وما يليها من دور العامة «٤١٥» . وكان لذلك سببان «٤١٦» :
أحدهما: تغلّبه على الخلافة لصغر سنّ المقتدر وقلة اكتراثه بالجند.
والثاني: أنه كان عشق جارية للحسين بن حمدان وراسلها في أن تحضر عنده وكتب إليها رقاعا بخطه وعرضتها الجارية على سيدها وكانت أم أولاده ومقرّبة عنده فاحتقد ذلك عليه مع أشياء لا يحسن ذكرها «٤١٧» .
وحين صلّيت الظهر قصدوا بأسرهم دار عبد الله بن المعتز وبايعوه [٧٣ أ] وحضرت صلاة المغرب ولا يشك أحد في تمام الأمر له «٤١٨» وضربت النوبة على بابه وسمعت أيضا أصوات دبادب من دار السلطان تضرب للمقتدر وكذلك ضربت النوبة من الجانبين في صلاة العتمة وصلاة الفجر من يوم الأحد. لأن بيعة ابن المعتز كانت وقت الظهر من يوم السبت وسمّى نفسه «المنتصف باللَّه» واستوزر محمد بن داود ابن الجراح «٤١٩» . وكان قد تخلّف في دار السلطان مع المقتدر سوسن الحاجب وصافى الحرمي ومؤنس الخازن ومؤنس الخادم المعتضدي وعدّة من الغلمان. وأما سائر الجند من العرب والترك وغيرهم وسائر الكتّاب والقضاة فكلهم أصبحوا ومضوا إلى دار الخليفة المنتصف باللَّه أبى العباس عبد الله بن المعتز «٤٢٠» .
وكان ابن المعتز دبّر في الليل وقسّم الجند قسمين: قسم يقصدون الدار من جانب الماء وقسم يقصدون الدار من جانب البر إن امتنع المقتدر والجماعة الذين في الدار عن تسليمها.