وفي بكرة يوم الأحد وجّه الوزير إلى صاحب خزانة الكسوة [يأمره] بتنفيذ البردة والقضيب والخاتم فجاء الرسول يقول: إن مولانا المقتدر قد لبسها. فلما بلغ ذلك إلى ابن المعتز التفت إلى من حوله من الكتّاب والقضاة والأجناد وقال: قد آن للحق أن يتضح وللباطل أن يفتضح. فقال له محمد بن خلف المعروف بوكيع «٤٢١» :
أمير المؤمنين أعزّه الله كما قال أبو العتاهية لجده المهدي:
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرّر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
وأنشده الأبيات إلى آخرها. ثم قال ابن المعتز: ادعوا لي الحسين بن حمدان فدعوه فقال له: تركب إلى الحسنى فقال: الأمر لأمير المؤمنين. فقال له: قدّم قوما يركبون من جهة الماء في السفن ليشغلوهم ونركب نحن من البر وتقدّم قبلي قال:
الأمر لك. وخرج الحسين وأمر قوما من الجند بالركوب في الحراقات والزبازب لقصد الدار من ناحية الماء فتكاسلوا تهاونا لمن بالدار وركب هو من ناحية الحلبة فرأى ما لا يعدّ من العامة حول الدار بالأسلحة يعاونون من بها وقد قويت قلوبهم بهم وخرجوا يناوشون أصحاب الحسين بن حمدان فحاربهم ساعة فأصابه حجر مقلاع شجّ وجهه وسهم في جنبه فكرّ راجعا إلى داره ليشدّ جراحته وكان هو مقدم الجيش فلما رآه العسكر كذلك كرّوا راجعين وانهزموا. وقصد داره وشدّ جراحته ودخل إليه إنسان من عسكره فأعلمه أنه لم يبق من العسكر أحد حول الدار وأن الغلبة للعامة وأن المقتدر قد ركب، فقام الحسين بن حمدان وركب وحده وأخذ طريق سامراء عائدا إلى ولايته «٤٢٢» وهي الموصل ثم إن العامة تكاثروا ورموا من كان قد بقي من العسكر بالأجر وصاحوا: المقتدر باللَّه يا منصور. وسمع ابن المعتز الضجة فقال: ما الخبر؟ دخل ابن حمدان الحسنى؟ ثم قال: قدّموا الفرس لأركب فقيل له: إن ابن حمدان قد هرب على وجهه والجند قد تبدّدوا فقال: العامة معنا أو علينا؟ فقالوا له: بل علينا، فأنشد هذا المصراع: