يعنى أن عامة بغداد كانوا عونا على أبيه المعتز في نوبة للمستعين. ثم قربت منه الأصوات حتى قربوا من داره ورموها بالمقاليع فأراد أن يأخذ لنفسه من جانب الماء فاطلع على الروشن فرأى ما أراد أن يفعله هو قد فعله أصحاب المقتدر وإذا بنحو خمس مائة قطعة من السفن تقبل مصعدة إلى داره من نحو دار السلطان وفيها الدبادب والبوقات والغلمان بالعدّة والأسلحة وجماعة من النفّاطين بالزراقات والمقدّم عليهم غريب خال المقتدر. فحين رآهم نحب قلبه وأيقن بالهلاك وجعل من بقي من الناس عنده في الدار يتسلمون واحدا واحدا ويخلطون أنفسهم بالعامة وبعضهم رمى بنفسه إلى الماء فسبح ونجا. وجاء القوم وأخذوا عبد الله بن المعتز وأحدروه إلى دار السلطان على أقبح حال «٤٢٣» .
قال أبو بكر، محمد بن يحيى الصولي في كتاب الأوراق: كنت واقفا تحت دار السلطان في جملة النظّارة وأنا أراه وقد أخرجوه من الشبارة التي كان فيها وعليه جبّة مصمت تبنية وهو حافى وكان سوسن الخادم واقفا على باب الماء فصفعه صفعة وقع على وجهه فلعنه كل من حضر وقالوا له: الّذي يراد به أكثر من هذا فما معنى هذه الإهانة؟ وأدخل الدار ولفّ في كساء وشدّ طرفاه حتى اختنق وحمل إلى داره ودفن بها. وكان آدب بنى العباس وأشعرهم وأعرفهم بالفقه والأحاديث والقرآن، إلا أن حرفة الأدب أدركته «٤٢٤» .
وخلع المقتدر على أبى الحسن عليّ بن محمد بن موسى بن الفرات وقلّده الوزارة يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة خمس [٧٤ ب] وتسعين ومائتين وركب في الخلع والناس معه إلى داره.
وفي يوم الأربعاء رابع ذي الحجة قبض المقتدر باللَّه على ابن الفرات وعلى جميع أسبابه وقلّد الوزارة أبا عليّ محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان المعروف بدق صدره «٤٢٥» وخلع عليه وقلّده سيفا وانصرف إلى منزله بباب الشماسية والقوّاد بين يديه. وولى ابنه عبد الله بن محمد خلافة أبيه في الوزارة.