بجكم ونفذ إلى الراضي يقول له: «أمر هذا لا يجيء إلا بك» . فانحدر الراضي إلى واسط. فحين أحسّ الديلميّ به رجع إلى الأهواز وعاد الراضي إلى بغداد.
ومات الراضي- رحمه الله- في غرة ربيع الأول سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.
وكان مولده في رمضان سنة سبع وتسعين ومائتين وكان عمره إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر. فكانت خلافته ست سنين وخمسة أشهر.
وكان أديبا فاضلا شاعرا أحسن الخلق خلقا متواضعا كريم الطبع سخيّا له وفاء وذمّة وإنما أدركته حرفة الأدب فلم تطل أيامه ولا عمره. ومن محاسن نظمه قوله:
ضحك الزمان إليّ من اعتاب ... وأعارنى سمعا لبثّ عتاب
سابق بلذّتك الشباب فإنني ... أصبحت فيه مجررا أثوابى
وعلمت أن الدهر حرب شبيبتى ... فخلست في غفلاته آرابى «٤٦٧»
وقال لما تغيّر لابن رائق:
صغرت عن الأمر الّذي رمت فعله ... فطالعنى بالصغر من كل جانب
وأظهر لي حبّا يطيف به قلى ... كخلّب برق في عراض سحائب
أيقعد لي كيد النساء بمرصد ... وإني فتىّ السن شيخ التجارب «٤٦٨»
وله أيضا:
سقى الله أطلالا رعيت بها الصبا ... سحابة غيث لا يكف سكوبها
ظعنت وقد خلّفتني نهبة الأسى ... لعلة وجد لا يصاب طبيبها
ليهنك لوعات تردد في الحشا ... وعصيان عين ما تطيع غروبها [٨٠ أ]
وتضييع رأى في اصطناع معاشر ... تسوّد وجه الاصطناع عيوبها
أنا ابن الأولى من هاشم زنت هاشما ... كما زانها العباس قبلي نسيبها
سلى تخبري من كان طفلا ويافعا ... فعزّت به الدنيا وذلّت خطوبها
ألم أطل الأملاك علما وسؤددا ... وتفخر بى شبان فهر وشيبها
وإني إن ضل الغريم غريمها ... وإن أفحم الخطاب يوما خطيبها