وكان ابن البريدي حين طرد من بغداد على ذلك الوجه انحدر إلى الأهواز وكاتب الديلم بنى بويه «٤٩٣» . وكان أول ظهورهم [أنهم] استولوا على فارس وكرمان ونفذوا إلى الحضرة بالأموال والتحف وسألوا أن ينفذ إليهم العهد واللواء بتلك البلاد ولعجز الراضي عن مقاومتهم أقرّهم على ما استولوا عليه واستفحل أمرهم في أيام المتقى. فلما انصرف ابن البريدي على ذلك الوجه من بغداد نفذ إليهم يهوّن في أعينهم أمر الخلافة ويحسّن لهم قصد الحضرة فما أقدموا على ما أراد منهم إلا أنهم أمدّوه بمائة ألف من الديلم خيّالة ورجّالة وقالوا: إن تمّ على أيديهم فتح كان لنا ولك. فوصل الديلم إلى واسط ولم يقدم أبو عبد الله بن البريدي على التهجم على الحضرة فنفذ العسكر [٨٢ ب] مع أخيه أبى الحسين ابن البريدي. فحين قاربوا بغداد هرب المتقى منهم ومعه ابن رائق إلى ناحية الموصل، واستولى أبو الحسين ابن البريدي على بغداد. ونفذ إلى الخليفة يقول له: إني عبدك ويحلف بالأيمان المغلظة إني لا أريد بك سوءا وإنما أربد أن أكون مكان ابن رائق. ولم ينزل دار الخلافة إعظاما لها بل نزل دار مؤنس التي ينزلها ابن رائق «٤٩٤» .
ولما وصل الخليفة إلى الموصل وفيها من قبله الأمير ناصر الدولة بن حمدان خرج إلى مراحل واستقبله وخدمه الخدمة التامة وعرف أن الخليفة محتاج إلى بنى حمدان وأنه لا يمكنه أن يغضبهم وهو على تلك الحال ولو فعلوا فيها ما فعلوا فبادر وفتك بابن رائق لمعاداة كانت بينهم، ولم يظهر من المتقى إنكار.
وقلّد الخليفة ناصر الدولة إمارة الأمراء مكان ابن رائق وجمع سائر بنى حمدان وانحدر وهم في جملته إلى بغداد. وكان في جملة ابن البريدي الأمير أبو الوفاء توزون التركي فغدر بابن البريدي وانضم إلى عسكر المتقى للَّه وهرب ابن البريدي ودخل المتقى إلى بغداد وخلع على توزون التركي وطوّقه وسوّره ولقّبه بالمظفر، فشقّ ذلك على ناصر الدولة. وكان يوم دخول السلطان المتقى للَّه إلى بغداد ضربت مائة قبّة