وأقبل ركن الدولة السلجوقي يريد بغداد. فحين وصل [إلى] النهروان، وهو في خمسين ألف فارس، خرج رئيس الرؤساء لاستقباله وذلك في يوم الأحد ثامن شهر رمضان سنة سبع وأربعين وأربع مائة، وكان معه الملك الرحيم أبو نصر خسرو فيروز «٥٦٣» ، وهو آخر من بقي من بنى بويه، ولم يكن إليه حلّ ولا عقد. وحين وصلوا إلى نهربين «٥٦٤» استقبلهم عميد الملك «٥٦٥» ، أبو نصر الكندري [٩٣ ب] وزير ركن الدولة يطلب صوب البلد، فلما رأى موكب رئيس الرؤساء والعساكر خلفه والقضاة والأشراف والخطباء ووجوه بغداد بالسواد والمناطق عن يمينه وشماله والجنائب تقاد بين يديه وأكثر من مائة جوق من المقرءين يقرءون بين يديه هاله ذلك وتقدّم للسلام عليه. وحين وقعت عينه عليه ترجّل ظنّا منه أن رئيس الرؤساء يترجّل له فما فعل، فلما رأى ذلك منه قدّم جنيب من جنائبه وقال: ركن الدولة حيث علم أنك خرجت لاستقباله أمرنى باستقبالك وقد أمر بأن تقدّم لك هذه الجنيبة فنزل رئيس الرؤساء عن فرسه وركب الجنيبة. وإنما كانت الجنيبة لعميد الملك وأراد بذلك الحيلة على رئيس الرؤساء لينزل فيراه الناس من بعد فيعتقدون أنه ترجّل له، ثم تسايرا إلى أن وصلا إلى ركن الدولة. وحين دخل عليه رئيس الرؤساء نهض وأجلسه معه على سريره وقال له رئيس الرؤساء: يا ركن الدولة إن الله- تعالى- أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها. فقال: إنما قصدت هذا الجانب لثلاثة أمور: أحدها: لأقبّل العتبة الشريفة النبويّة وأنتمي إلى خدمتها. والثاني:
لأحجّ إلى بيت الله تعالى وأفتح طريق الحج من صوب العراق. والثالث: لأقصد مصر وأنتزعها من يد الخارج الّذي بها وأقيم الدعوة على منابرها لبني العباس. ثم عاد رئيس الرؤساء وأخبر الخليفة بذلك.
ولما كان في اليوم الثاني، دخل ركن الدولة على القائم بأمر الله وهو جالس من وراء شبّاك [٩٤ أ] وحين رآه سجد سبع مرات وأمر له بكرسي صغير فوقف عليه. وكان الخليفة يخاطب عميد الملك وهو يترجم عليه. وخرج من حضرة الخليفة