والعقد العظيم موقعه على سنة الرسول- صلّى الله عليه وسلم- على أربع مائة درهم ودينار واحد مهر سيدة النساء فاطمة البتول، ليعلم الكافة من العامة والخاصة تنزّه أمير المؤمنين- رضوان الله عليه وعلى آبائه الطاهرين- عن التلبّس بحطام الدنيا. وأن مكان شاهنشاه المعظم، ملك المشرق والمغرب ركن الدين أمتع الله به لا يوازيه شيء من الأشياء» . وبعد هذا كلام لم يحضرني الآن «٥٩٠» . فغلب البكاء على السلطان عند ذلك وعلى أكابر الحاضرين وجرى أمر عظيم رقّق القلوب.
ثم سلّمت إليه ببغداد بعد امتناع شديد من تسليمها وذلك في الخامس عشر من صفر سنة خمس وخمسين وأربع مائة، وكان معها من الفرش والآلات والجواهر والأواني سوى ما صرف إلى الحجاب وحواشي الدار ما قوّمه الثقات بألفي ألف دينار. وكان يدخل عليها وهي جالسة على السرير فيخدمها ويقبّل الأرض بين يديها وينصرف. وأخذها معه إلى حلوان ثم أعادها من هناك.
وقصد الرىّ في هذه السنة وهي سنة خمس وخمسين وأربع مائة ومات بها في رمضان، وأخذ عميد الملك أبو نصر محمد بن [١٠٠ ب] منصور الكندري بعده البيعة للأمير مشيّد الدولة أبى القاسم سليمان «٥٩١» بن دواد، وكان يلقّب بأمير الأمراء، وهو ابن أخيه الأصغر. ثم بعد أيام وصل ابن أخيه الأكبر من خراسان وهو الأمير ألب أرسلان «٥٩٢» بن داود فانحلّ أمر هذا الصبىّ واستولى ألب أرسلان على الأمر واحتقد ذلك على عميد الملك، وجاءه اللواء والعهد من بغداد بالسلطنة ولقّب ب «ملك المشرق والمغرب، عضد الدولة القاهرة العباسية» . وأقرّ عميد الملك على الوزارة ثم قبض عليه وحبسه في دار عميد خراسان واستصفى أمواله ثم نفذه إلى قلعة، وأمر فقتل بها «٥٩٣» .
واستوزر بعده أبا عليّ، الحسن بن عليّ بن إسحاق الطوسي ولقّبه «قوام الدين نظام الملك صدر الإسلام شمس الكفاة سيد الوزراء رضى أمير المؤمنين» وكان لهذا الصدر من الخيرات في بلاد الإسلام من المدارس والقناطر والرباطات والوقوف