فاختار الرحيل وطلب منه العسكر فأزاح علّته وضرب له سرادقا من الديباج وعدة خيم من الديباج وخدمه بألف ثوب من الأنواع ونفذ معه ألفى فارس فانحدر إلى واسط وملكها وملك جميع البلاد السفلى واجتمعت عليه العساكر وقويت شوكته.
وكان أول أمره يخطب لنفسه بعد أخيه فلما قوى خلع الطاعة وخطب لنفسه بالخلافة ولقّب نفسه «المستنجد باللَّه» . واضطرب الناس ببغداد وقامت القيامة على المسترشد باللَّه وخاف أن يقصد بغداد وهي خالية من العسكر ويستولى على الأمر وكان السلطان محمود مشغولا بعمّه لا يتفرغ لإنجاده. فنفذ الخليفة إلى دبيس بن صدقة وبذل له إن جاء بأخيه ثلاثين ألف دينار. فطلب أن يكون في جملته من بحضرة الخليفة من العسكر فنفذ المسترشد باللَّه معه الأمير نظر «٦٦٤» في خمس مائة فارس، وقصده دبيس ولم يلقه بنفسه حياء لأنه كان ضيفه ونزيله فنفذ العسكر مع الأمير نظر وتخلّف دبيس فمضوا وهجموا عليه وحاربوه وكسروه ومرّ هاربا فتبعه بدوي برمح فقال له: ويلك أنا أمير المؤمنين، فقال له البدوي: أمير المؤمنين قاعد على روشن التاج ببغداد.
ثم لحقه الأمير نظر فترجّل وقبّل الأرض وقبّل ركابه وأخذ بعنان فرسه وأدخله سرادقه واحتاط عليه وحمله إلى بغداد وأدخل إليها ليلا في الزبزب والوزير جلال الدين والنقيب شرف الدين وقاضى القضاة الأكمل وجماعة أرباب المناصب في خدمته وصعد من الزبزب إلى داره واحتاطوا [١٠٧ ب] عليه كجارى العادة في أمثاله.
وقد كان استوزر الرئيس أبا دلف بن زهمويه «٦٦٥» الكاتب فأسروه معه. وفي صبيحة تلك الليلة خلع المسترشد باللَّه، أمير المؤمنين، على وزيره جلال الدين الجبّة الممزج على العادة والفرجيّة النسيج فوقها والعمامة والمركب اليشم على فرس أدهم والكوس والعلم وركب من باب الحجرة والخلع عليه وأرباب المناصب كلهم مشاة بين يديه حتى انتهى إلى داره بباب العامة.
وفي تلك الساعة أمر الخليفة فأخذ ابن زهمويه المقدّم ذكره وألبس قميصا أحمر