وسراويل صفر وعلّق في أذنيه أربع بصلات وألبس في رجليه نعلان من الخشب وترك على رأسه برنس قد علّقت فيه التواسيم وأذناب الثعالب والفار الموتى وأركب على جمل وجعل ذنب الجمل في يده وأركب خلفه نفّاط يصفعه بجراب وسوّد وجهه وضربت الدبادب والبوقات بين يديه في الأسواق والصبيان يدبدبون بالصوانى والأطباق وبعضهم بالخزف المكسّر ويصيحون:
أيا وزير الوزرا ... كذا تقاد الأسرا
ثم لما طيف به جميع البلد حطّوه من الجمل إلى الحبس وخنقوه في الليل.
ثم إن دبيس بن صدقة طالب المسترشد باللَّه بالمال الّذي كان وعد به فماطله ودافعه فأمرج أصحابه في نواحي الخليفة ونهب السواد وأحرق الغلّات وركب يوما إلى الميدان فجرى بينه وبين الأمير علم الدين عفيف كلام فقال له دبيس: والله لأنقضنّ الدار حجرا حجرا [١٠٨ أ] وما أنا بدون البساسيري، قال له ذلك وتم على وجهه إلى الحلة. وبلّغ عفيف ما سمع إلى الخليفة فنفذ الخليفة إلى همذان واستدعى بالسلطان محمود فوصل في أسرع مدة وذلك في ربيع الأول سنة أربع عشرة وخمس مائة.
وحين وصل النهروان خرج الوزير جلال الدين وجماعة أرباب المناصب لاستقباله على العادة ودخل البلد وجلال الدين على يمينه وقيصر الخادم «٦٦٦» على يساره، وكان أتابكه، وما تركه الخليفة يستقر ببغداد إلا أياما ونفذه إلى الحلة لدفع دبيس عن العراق وذلك بعد أن خلع عليه وطوّقه وسوّره وتوّجه وخلع على وزيره نظام الدين السميرمى وعلى جماعة أرباب دولته وعلى سائر الأمراء الذين كانوا في جملته.
وحين توجهوا إلى الحلة وقربوا منها هرب دبيس عنها طالبا طريق ديار بكر وقصد إلى حميّه الأمير نجم الدين إيلغازي بن أرتق «٦٦٧» فوصل إليه وهو متوجّه إلى غزاة الكرج منجدا للملك طغرل وكان المسلمون في قريب من مائة ألف فارس فلحقهم شؤم دبيس فهزموا وقتل بعضهم وأسر بعضهم ودخل بتلك الواقعة على الإسلام من الخلل ما صعب تلافيه. فإنّهم تجرءوا على محاصرة تفليس وأخذوها من أيدي المسلمين وأخذوا عدة حصون تجاورها «٦٦٨» .