ثم إن السلطان محمود بعد ذلك قصدهم وعاد بالعجز. وما أظن ذلك كله بعد قضاء الله تعالى إلا لشؤم دبيس.
وحكى جماعة من الثقات: أنه حين هرب في تلك السنة من الحلة كان [١٠٨ ب] معه ألف مولّد في وسط كل واحد هميان فيه ألف دينار كانت رزق الكرج ومضى منه هذا المال وانقلع بيته وخسر من الحلة في كل سنة ألف ألف وسبع مائة ألف وخمسين ألف دينار، كل هذا لأجل ثلاثين ألف دينار لجّ مع الخليفة في طلبها وباع بها دينه ومروءته وذمام العربية، فلا جرم ما حصلت له [من الأمور] ولا بقي عليه ما كان فيه، وصار مشردا طريدا تتقاذف به العراق وخراسان وسائر بلاد الإسلام.
ثم لما عجز عن الخليفة التحق بالأفرنج ورفع الصّليب على رأسه وشدّ الزنار ودعاهم إلى حصار حلب وجاء معهم ونزل عليها حتى كفى الله المسلمين أمره وأجراهم على جميل عوائده.
وأما الكرج فإنّهم لما فتحوا تفليس وذلك في سنة ست عشرة وخمس مائة مضى السلطان محمود لاستخلاصها ووزيره شمس الملك عثمان «٦٦٩» بن نظام الملك. و [لما] وصل إلى شروان عجز عنهم وتقدّم ملك الكرج دمطرى بن داود عدة مراحل ونفذ إليه رسولا وقال له: قد سمعت عنك أنك قلت أنا أمضى وأقلع بيت داود، وابن داود قد تقدّم إليك خمسين فرسخا، فإن كنت رجلا فتقدّم إليه خمسة فراسخ ولولا أنك صاحب تخت وتاج وقد جرت عوائدنا بحفظ حرمة الملوك وإلا لهجمت عليك وأسرتك فاذهب بحرمتك ولا تحدّث نفسك بعد هذا بقصدي، فعاد متوجها إلى بلاد الإسلام.
وحين انقطعت أخباره عن العراق لإيغاله في بلاد الكرج وجد دبيس فرصة فهجم على الحلة ودخلها من طريق الشام [١٠٩ أ] وملكها واجتمع عليه في أسبوع واحد من الأعراب ما لا يحصى عدده، وخاف المسترشد باللَّه من مثل نوبة البساسيري فنفذ قسيم الدولة آقسنقر البرسقي «٦٧٠» لدفعه قبل أن يستفحل أمره، فسار إليه في