يرنقش الفخرى «٦٩٠» رسولا من عند السلطان معزّ الدنيا والدين أبى الحارث سنجر ابن ملك شاه وهو يومئذ بخراسان إلى الخليفة المسترشد باللَّه وإلى السلطان غياث الدنيا والدين أبى الفتح مسعود بن محمد بن ملك شاه فلم يبق في المعسكر إلا من خرج لاستقباله وخلت الخيم فجاء شاب إلى باب سرادق الخليفة وقال لشريف كان على باب السرادق: أوصل هذه القصة إلى الخليفة فأخذها من يده ودخل ليسلّمها إلى خادم فدخل وراءه فلما أحسّ به عاد يمنعه من الدخول فأخرج سكّينا كانت معلقة بسير في كمه فضربه بها فسقط ثم صاح وإذا بخمسة عشر نفسا في أيديهم السكاكين فخرقوا بها شقاق السرادق وصاحوا: الحج، الحج وقصدوا الخركاه التي كان فيها الخليفة فقام في وجوههم ابن سكينة المقرئ «٦٩١» وكان أستاذه الّذي لقّنه القرآن وقال:
ويلكم هذا مولانا، قالوا: له نطلب وضربوه سكّينا سقط ميتا على باب الخركاه لأنه كان شيخا ضعيفا. وكان الخليفة حين [١١٣ ب] رآهم قال: شهيد والحمد للَّه.
ولما قتلوا ابن سكينة دخلوا عليه الخركاه فأخذ دورباشا وضرب به واحدا منهم وثنى وثلث فوقع الملعون على وجهه وصاح برفقائه: قتلني فدخل بعده شيخ عليه صدرة زرد تحت ثيابه فضرب الخليفة فتترّس منه بمصحف كان عنده وضربه الخليفة بالدورباش فصرعه فجاء آخر من ورائه فضرب عينه اليمنى بنصاب السكّين فأسالها على خدّه وما وقع على الأرض حتى وقعت فيه ثلاث عشرة ضربة. ووقعت الصيحة في العسكر فما أقدم أحد على القرب منهم إلا أنهم قطعوا أطناب الخيمة حتى وقعت عليهم ثم رموا بالسهام فقتلوا منهم سبعة وهرب الباقون. ولفّ الخليفة في السندسة التي كانت تحته ودفن بدار الإمارة بمراغة فهي الآن تربته «٦٩٢» .
ووصل الخبر إلى بغداد في عشية يوم الجمعة السابع والعشرين من ذي القعدة من السنة وهي سنة تسع وعشرين وخمس مائة. وجلس الناس للعزاء على العادة ثلاثة أيام ثم في ضحوة اليوم الثالث بايعوا ولده بالخلافة.
وانقضت أيام المسترشد باللَّه- رضوان الله عليه- عاش سعيدا ومات شهيدا.