الحلة أو نوبة عقرقوف، ثم علت غبرة فتأمّلوها وإذا بالعسكر قد خرج من [١١٢ ب] لحف الجبل من عدة مواضع وقرب بعضهم من بعض ووقعت العين في العين وحمل من كان في ميمنة الخليفة فكسر ميسرة السلطان، ثم حملت ميمنة السلطان فكسرت ميسرة الخليفة ولما رأى أصحاب ميمنة الخليفة أن الميسرة قد انكسرت نكصوا على أعقابهم هاربين وبقي القلب فغدر جماعة ممن كان فيه والتحقوا بعسكر السلطان. وقيل للخليفة: أنج بنفسك فقال: مثلي لا يهرب إما لحد ضيّق أو ملك الدنيا وحمل بنفسه مع الشرذمة التي بقيت معه، فحين حمل عليهم أحاطوا به فحصل في وسطهم فقبض آيدغمش أمير باز «٦٨٩» على عنان فرسه وأدخله إلى دهليز سرادق كان ضرب للخليفة لينزل فيه. ولما كمل ضرب الخيم ونزلوا أركب من هناك وأدخل سرادق السلطان فحين رآه قام قائما وقبّل الأرض بين يديه وقال له: يا مولانا أليس الله تعالى كان قد أغناك عن هذا؟ وهب [أنك] احتويت على ملك الدنيا أكان يمكنك المقام بكل مكان تستولى عليه أو تقيم بمدينة الملك وتولّى عليها غلمانك الذين ربما نصحوك وربما خانوك وقد تأدّى إليك ما تمّ على الخلفاء قبلك من غلمانهم، ونحن كنا عبيدك وطوع أمرك وجدّنا أعاد هذه الدولة بعد ما ذهبت فما الّذي حملك على ما فعلت؟ والآن أقم أياما عندي حتى أسير في ركابك إلى بغداد وأدخلك دار الخلافة وآخذ الغاشية على رأسي بين يديك كما أخذها طغرلبك بين يدي جدّك القائم بأمر الله. ولم يتكلّم الخليفة بشيء إلا أنه قال:«كل ذلك في الكتاب مسطور» . وبقي الخليفة معتقلا معه كل يوم يركب [١١٣ أ] في المحفّة ويوكل به الأمير الّذي يكون تلك الليلة في النوبة إلى أن وصلوا إلى باب مراغة فأمر السلطان مسعود فخيّط للخليفة سرادق أسود ونصب فيه تخت وعليه دست وركب الخليفة من سرادق السلطان والسلطان راجل بين يديه وجماعة الأمراء حتى انتهى إلى السرادق الأسود ودخل إليه فارسا ونزل على التخت واجتمع عليه من كان تفرّق من أصحابه وكانوا على عزم المسير إلى بغداد.
فلما كان يوم الخميس تاسع عشر ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمس مائة قدم