دعوتنا ونصرة [دو] لتنا ورد حقنا إلينا وإلا فلو قامت مقامك أمة سوداء [لأغنت] غناك. ثم صفّق بيده فشهر القوم سيوفهم وقصدوه. فآخر ما سمع منه أنه قال:
يا أمير المؤمنين [١٦ ب] استبقني لعدوك. فقال المنصور: وأيّ عدو لي أعدى منك.
وعلوه بالسيوف وقطعوه والمنصور ينشد وهو على تلك الحال:
زعمت أن الدين لا يقتضي ... فاكتل بما كلت أبا مجرم
واشرب كؤوسا كنت تسقى بها ... أمرّ في الحلق من العلقم
حتى متى تضمر بغضا لنا ... وأنت في الناس بنا تنتمى «٨٩»
ثم أمر المنصور فلفّ في بساط. وكان عيسى بن موسى قد خرج لاستقباله وحين دخل إلى المنصور دخل معه. ثم إن عيسى بن موسى خرج من عند المنصور لبعض شأنه وأبو مسلم هناك وعاد فلم يره، فقال: يا أمير المؤمنين وأين أبو مسلم؟ فقال له المنصور: هو في ذلك البساط ملفوف. فقال عيسى بن موسى: أو فعلتها؟ قال:
نعم فعلتها نعم فعلتها نعم فعلتها يكرر ذلك ثلاث مرات وأنشد:
إذا همّ ألقى بين عينيه همه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا
فقال عيسى: وما عذرنا إلى أهل خراسان؟ وكيف لنا بعذر يقبل الناس باطنه وظاهره، وخاصة وعلى باب السرادق أربعون ألف متسلح ينتظرون خروجه؟ فقال المنصور: يا عيسى إنه كان ما كان وقد كنت أعددت قبل وصوله سبعين بدرة في كل بدرة عشرة آلاف دينار وها هي فخذها واخرج إليهم فانثرها عليهم مع رأسه فإن القوم ما أطاعوه إلا تقرّبا إلينا ومحبة لنا. ففعل ما أمره به ونثر الدنانير عليهم مع رأس أبى مسلم فالتقطوا الدنانير [١٧ أ] وتركوا رأس أبى مسلم يتدحرج على الأرض.
ودخل عيسى بن موسى على المنصور وأخبره بذلك، فقام من ساعته وصعد المنبر واجتمع الناس وخطب فقال: معاشر المسلمين، إنه من نازعنا عروة هذا القميص أوطأناه خبء هذا الغمد وإن أبا مسلم بايعنا وبايع لنا على أن من نكث بنا حلّ دمه ثم نكث هو بنا فحكمنا عليه لأنفسنا عليه حكمه على غيره لنا ولم تمنعنا رعاية الحق له