أن تعمل لي عملا. فقال أبو حنيفة للمنصور: أما غير القضاء فأفعل ما تشاء. فقال:
تتولى لي بناء بغداد فقبل ذلك وانحدر إليها واشتغل بتأسيسها وبناء القصر الّذي يسمى الخلد على دجلة برسم المنصور «٨٤» .
واستدعى المنصور أبا مسلم وكان بخراسان وقد بثّ الدعاة في البلاد لنقض ما كان أسّسه من ملك بنى العباس وأراد أن يعيدها فاطمية كما كان في نفسه. فحين وصل إلى الرىّ استشار وزيره في قصد المنصور فقال له: لا تعبر الرىّ فهي حد ولايتك وإذا عبرتها صرت بحكم القوم فما قبل استهانة بالمنصور لأنه قدم من خراسان في أربعين ألف فارس. وبلغه خبر المنصور أنه مقيم بالأنبار في أربعة آلاف وأكثرهم من أتباع أبى مسلم وأجناده وقواده فصمّم على دخول العراق. وحين وصل جسر النهروان قال [١٦ أ] لوزيره: ما ترى من الرأى؟ قال: خلّفت الرأى بالرّي «٨٥» . وقدم على المنصور في أحسن زيّ وعدّة وكان المنصور قد واطأ جماعة من خواصه على قتل أبى مسلم وقال لهم: إذا دخل عليّ أبو مسلم فإنما يكون وحده فإذا رأيتموني قد صفّقت بيديّ فاعلوه بالسيوف. فحين دخل عليه قبّل البساط ووقف وكان متقلدا سيفا.
فقال له المنصور: يا أبا مسلم سيفك هذا [يماني] أو هندي؟ قال: بل هندي يا أمير المؤمنين. فقال له المنصور: سلّه من قرابه وهزّه لأراه ففعل ما أمر به.
فقال له: يا أبا مسلم ما تقول في من شهر سيفه في وجه إمامه؟ فقال: يقتل به «٨٦» .
وفطن أبو مسلم لمراد المنصور إلا أنه ما خطر بباله أنه يقدم على الفتك به مع تلك المنعة وذلك العسكر وخاصة والمنصور من وراء خرقة «٨٧» . ثم ابتدأ المنصور يذكّره بما كان يعامله في أيام أخيه [السفاح] ثم قال له المنصور في جملة ما قال: يا ابن اللخناء ألست الّذي نفذت إليّ تخطب عمتي آمنة بنت عليّ بن عبد الله بن العباس؟ وتزعم أنك كفؤ لها «٨٨» ؟ فقال له أبو مسلم: يا أمير المؤمنين ألست الّذي أظهرت هذه الدولة ومهّدت لكم هذا الأمر؟ فقال له المنصور: يا ابن اللخناء ذاك لما أراد الله تعالى من إظهار