ضع قلنسوتك فقد مسّك الحر. فوضع قلنسوته. فقال له الرشيد: يا أصمعى علا رأسك الشيب فقال: نعم يا أمير المؤمنين هو أول الميتين. فقال: تغار على قول زيد «١٤١» ابن عليّ بن الحسين حيث يقول؟ قال: ماذا يا أمير المؤمنين يقول؟ قال:
قد تعجّلت أول الميتتين ... بمشيب القذال والعارضين
فتنبّه فشيبك الأجل الأول ... والموت آخر الأجلين
من يرجّى الخلود والموت بالمرصاد ... للمرء كلّ طرفة عين
لا يغرّنك اجتماع من الشمل ... تراه كل اجتماع لبين [٢٤ أ]
فقال الأصمعي: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في استفادة هذه الأبيات؟ فقال الرشيد: نعم، اكتبوا كل بيت على رأس بدرة واحملوها إليه.
وكان الرشيد فقيها أديبا شاعرا حلو النظم. ومن شعره في ثلاث جوار كنّ له:
ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان
ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه غلبن أعزّ من سلطاني «١٤٢»
[١] وله في جارية غاضبها ثم صالحها:
دعي عدد الذنوب إذا التقينا ... تعالى لا نعدّ ولا تعدّى
فأقسم لو مددت بحبل وصلى ... إلى نار الجحيم لقلت مدّى
وله في جاريته ماردة أم المعتصم:
وإذا نظرت إلى محاسنها ... فلكل موضع نظرة نبل
وتنال منك بسهم مقلتها ... ما لا ينال بحدّه النصل
شغلتك وهي لكل ذي بصر ... لاقى محاسن وجهها شغل
ولقلبها حلم يباعدها ... من ذي الهوى ولطرفها جهل
ولوجهها من وجهها قمر ... ولعينها من عينها كحل «١٤٣»
[١] أبيات الرشيد في الأغاني ١٦/ ٣٤٥، نظم النثر للثعالبي (القاهرة ١٣١٧) ١٦٠.