فحين حصلت على باب البيت سمعت أبا زكّار الأعمى يغنّيه [٢٦ ب] :
يا راقد الليل مسرورا بأوّله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا «١٥٢»
وهو يقول له: يا بارد أيش هذا مما يتغنى به؟ وأبو زكّار يقول له: وكان منبسطا عليه، البارد والله من قد قتلنا منذ شهرين بهذا الاستشعار الفاسد، بقي لك أمر تخاف أو تستشعر منه وقد ودّعت الخليفة وأنت بكرة على رأس الطريق؟ قال:
فتوقفت بقدر ما فرغوا من الكلام وابتدأ أبو زكّار في الغناء ثم هجمت عليه وسلمت فقال لي: ما الّذي جاء بك؟ فأديت إليه رسالة الرشيد فقال لي: الآن جئت وأنا والله تعبان وسكران وقد اختاروا لي الطالع الفلاني وركوبي يكون وقت السحر وبيني وبين الخليفة شقة بعيدة وأحتاج إلى عبور دجلة ولى أيضا مهمات لخاصتى أحتاج إلى تحريرها قال مسرور: فقلت له: يا سيدي دع عنك هذه الأعذار فإن الّذي يستدعيك مولاك الخليفة ولا بدّ من الانتهاء إلى أمره وأراك تخاطبه بمثل ما تخاطب به الأمثال. فقال لي: يا أسود يا حجّام وبلغ من أمرك أن تخاطبني بهذا؟ فقلت له:
يا سيدي أنت تعلم أن الخليفة لا يفرّق بينك وبين أعزّ إخوته بل ربما فضّلك عليهم وقد استدعيتك إلى داره «١٥٣» دفعات ليلا ونهارا، فبادر مسرعا من غير عذر وبعد هذا فأنت أخبر، وإنما عليّ البلاغ. وأخذت ألين له في الكلام لئلا يفطن وأبو زكّار يعاوننى إلى أن أجاب وقال لأبى زكّار: تم على ما أنت حتى أعود إليك ونهض وخرج من باب الدار وركب فرس النوبة وليس معه أحد سوى ثلاثة خدم صغار [٢٧ أ] وأنا، ومضى وأنا معه وعبرنا على الجسر حتى انتهينا إلى دار الخلافة «١٥٤» فدخل من باب الشط وأنا معه فلما انتهينا إلى صحن الدار أخذ في صوب باب الحجرة التي يكون فيها الرشيد. فقلت له: يا سيدي على يمينك قليلا. فقال لي: ما الّذي أصنع هناك؟ ثم التفت فرأى الخيمة مضروبة ونظر إليّ وتغيّر وجهه وندم على ركوبه. ثم قال لي: يا أخى مسرور هل فيك موضع لاصطناعى؟ فقلت له: أنت ما كنت ترفعني وتخفضني إلا بالأسود الحجّام والآن أنا أخوك؟ ولكن يا جعفر