للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما غيّر الله نعمة على عبد إلا باستحقاق وليس الله بظلّام للعبيد وإن الله يمهل ولا يهمل ولقد أملى الله لك ولأهل بيتك لا رضى بفعلك ولكن ليزيد إثمك وعقابك، وأنا أقول له ما أقول ونحن نمشي نحو الخيمة وهو ينصت إلى كلامي ولا يجيب بشيء حتى إذا صرنا إلى الخيمة وأحسّ بنا القوم الذين بها نهضوا فأحس بقعقعة السلاح فبكى وبكى الجماعة لبكائه حتى أبكانى مع انحرافى عنه وعداوتي له.

ودخل الخيمة فرأى النطع مبسوطا وسيفي ملفوفا في منديل فأخذت سيفي وجذبته من غمده وأمرت خادما كان معى بأن ينزع ثياب جعفر فنزعها عنه وتركه بغلالة كتان وهو ينتحب وينوح على نفسه. ثم قال لي: يا حبيبي لو عاودته في أمرى وأكبّ على يدي يقبّلها. فقلت له: قد أمرنى أن لا أعاوده، فتشفّع إليّ الغلمان بأسرهم أن أعاوده. فقمت وقصدت الحجرة التي فيها الرشيد فحين أحس بوطء قدمي في الدهليز قال: مسرور؟ قلت لبّيك يا أمير المؤمنين. قال: [٢٧ ب] جئت برأس جعفر قلت: لا ولكنى جئت لأستأذنك مرة أخرى، فصاح بأعلى صوته: لا تريني وجهك وعد من حيث جئت وائتني برأسه، وأنا نفى من المهدي إن لم تجئنى برأسه نفذت في ساعتي هذه من يجيئني برأسك، فعدت إلى جعفر وأخبرته الخبر فتشاهد وقال:

أمهلنى أصلى ركعتين فإذا سجدت السجود الأخير فشأنك وما تريده. فقلت: ذاك لك. فقام وصلى فلما بلغ إلى السجود الأخير كان يبكى والجماعة يبكون لبكائه فضربت عنقه ضربة أبنت بها رأسه عن بدنه وأخذت رأسه ووضعته في طشت «١٥٥» ذهب ووضعته بين يدي الرشيد، فحين رآه قال: قرّبه منى فقربته منه فكان يقول له: يا جعفر أما فعلت بك كذا، أما صنعت كذا، وأنت قابلتنى بكذا، وأنا واقف وهو هكذا يعاتب الرأس لم تنم عينه إلى الفجر. وكان الرشيد عند حصول جعفر في الدار نفذ السندي بن شاهك، وهو أحد القواد الكبار، إلى دار يحيى بن خالد وإلى دار الفضل فقبض عليهما وأوقع النهب والغارة في دورهما. وكان السندي بن شاهك عدوّا للبرامكة.

<<  <   >  >>