آدم ونوح، اللَّهمّ صلّ عليّ وعلى أبويّ إبراهيم وإسماعيل، اللَّهمّ صلّ عليّ وعلى أبويّ محمد وعليّ، فحين شاهده عسكر المأمون وهو على هذه الحال ترجّلوا كلهم وسجدوا له ووافقوه رجالة إلى المصلّى. وفي تلك الساعة دخل بعض قواد المأمون على المأمون وأخبره بصورة الحال فهاله الأمر وخاف أن تخرج الخلافة من يده في حال حياته، فنفذ من ردّ عليّ بن موسى قبل أن يصل إلى المصلّى وخرج هو وخطب بالناس.
واتفق في عقيب ذلك وفاة عليّ بن موسى فنفذ المأمون إلى بغداد وطيّب قلوب بنى العباس وأعلمهم برجوعه عما كان عليه من بيعة عليّ بن موسى وأخبرهم بموته وطلب من إبراهيم أن يخلع نفسه فما فعل فسار [٣٨ أ] المأمون بنفسه إلى العراق.
وحين وصل إلى سرخس قتل الفضل بن سهل وزيره بها في الحمام. ويقال: إن المأمون ألّب عليه والله أعلم بجلية الحال «٢٠٨» . وأراد المأمون أن يدفع عن نفسه هذه التهمة لئلا ينسب إلى قلة الحفاظ وسوء العهد فقلّد أخاه الحسن بن سهل الوزارة بعده ودخل بنفسه على أمه فعزّاها عنه وقال لها: إن ذهب أحد بنيك فقد بقي الابن الآخر، وأومأ إلى نفسه. فقالت: يا أمير المؤمنين كيف لا أبكى على ابن جعل لي ابنا مثلك «٢٠٩» ؟
وكان قدوم المأمون إلى بغداد في رابع عشر صفر سنة أربع ومائتين ولباسه ولباس أصحابه الخضرة. ولما رأى نفرة بنى العباس من الخضرة خلعها وعاد إلى السواد فما بقيت الخضرة إلا ثمانية أيام. وحين دخل المأمون واستقر ببغداد قصد دار زبيدة وعزّاها عن أخيه وبكى معها بكاء شديدا ولعن طاهرا كيف أقدم على قتله. ثم سألته أن يتغدّى عندها ففعل وأخرجت إليه جواري محمد ابنها يغنونه، فغنّته إحداهنّ:
هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فإن لا يكونوا قاتليه فإنه ... سواء علينا ممسكاه وضاربه
فوثب المأمون مغضبا، فقالت له زبيدة: يا أمير المؤمنين حرمني الله أجره إن كنت علّمتها أو دسست إليها. فصدّقها وتعجّب من ذلك الاتفاق «٢١٠» .