للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعجب أنهم يأخذون بذلك إذا اشتهوا، فهذا محمد بن مسلم الزهري، له نحو تسعين حديثا انفرد بها عن النبي لم يروها أحد من الناس سواه، وليس أحد من الأئمة إلا وله أخبار انفرد بها، ما تعلل أحد من هؤلاء المحرومين في رد شيء منها بذلك، فليت شعري ما الفرق بين من قبلوا خبره ولم يروه أحد معه، وبين من ردوا خبره لأنه لم يروه أحد معه، وهل في الاستخفاف بالسنن أكثر من هذا؟

وأيضا، فإن الخبر وإن روي من طرق ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك، فهو كله خبر واحد، من أثبت شيئا من ذلك أثبت خبر الواحد، ومن نفى خبر الواحد نفى كل ذلك، لأن العلة عندهم في كل ذلك واحدة، وهي أن كل ما لا يضطر إلى التصديق عندهم ولم يوجب القطع على صحة مغيبة لديهم، فهو خبر واحد، وهذه عندهم صفة كل ما لم ينقل بالتواتر، فقد تركوا مذهبهم وهم لا يشعرون، أو يشعرون ويتعمدون، وهذه أسوأ وأقبح، ونعوذ بالله من الخذلان) (١).

وقريب من هذا قول أبي الفرج بن الجوزي: (إن البخاري ومسلمًا تركا أحاديث أقوام ثقات لأنهم خولفوا في الحديث؛ فنقص الأكثرون من الحديث وزادوا هم، ولو كان ثَمّ فقه، لعلموا أن الزيادة من الثقة مقبولة.

وتركوا أحاديث أقوام لأنهم انفردوا بالرواية عن شخص، ومعلوم أن انفراد الثقة لا عيب فيه.

وتركوا من ذلك الغرائب، وكل ذلك سوء فهم.

ولهذا لم يلتزم الفقهاء هذا، فقالوا: الزيادة من الثقة مقبولة، ولا يقبل القدح حتى يُبيَّن سببه.


(١) "الإحكام" (١/ ١٤٠ - ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>