والفرق بين هذا النوع والذي قبله، هو أن الذي قبله لا يروى عن الصحابي الذي رواه إلا من وجه واحد، بخلاف هذا النوع فإن الحديث يروى من أوجه متعددة عن الصحابي، ولكن جاء من وجه آخر يستغرب بالنسبة للطرق الأخرى.
ثم ختم أبو عيسى الكتاب بمثالٍ آخر للغريب، رواه من طريق المغيرة بن أبي قُرَّة السَّدوسي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول الله، أَعْقِلُهَا وأتوكل، أو أُطْلِقُهَا وأتوكل؟ قال:"اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ".
قال عمرو بن علي: قال يحيى بن سعيد: هذا عندي حديث منكر.
قال أبو عيسى:(هذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث أنس بن مالك إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عمرو بن أميه الضَّمْري عن النبي ﷺ نحو هذا)(١).
قلت: هذا النوع من الغريب تقدم الكلام فيه، وهو غريب الإسناد، وهو الخبر الذي يُروى من أوجه، ولكن يُستغرب من أحدها؛ فيكون غير مشهور من هذه الطريق، ولكن هذا يزيد على ما تقدّم: شدة غرابته، ولذا حكم عليه بالنكارة، والله أعلم.
ويلاحظ أن أبا عيسى أسهب في الكلام عن الغريب، وفي ذِكر أقسامه، كما فعل في كتابه "الجامع"، فقد أكثر جدًّا من الحكم على الأحاديث فيما يتعلق بالغرابة وبيان نوعها؛ وهل هي مطلقة أو من وجه خاص؟ أو غير ذلك من أنواع الغريب، وإذا كان الحديث ليس غريبًا بيّن أنه مشهور، وأنه مروي من غير وجه، وهذه هي طريقة كبار الحفاظ، وذلك أن غرابة الحديث أو شهرته لها تأثير على درجته من حيث القوة والضعف.