لذا، لا يُجزم بغرابة الحديث إلا بتنصيص الأئمة، فإذا نصَّ أحدٌ من الأئمة على ذلك ولم يُستدرك، أو تتابعوا عليه؛ فالأمر ظاهر.
فأما إذا اختلفوا فالأمر أصعب، فعندئذ يحتاج الناظر إلى التأني أكثر، فإن ترجّح له فذاك، وإلا فالتوقف خير.
وأما إذا لم نقف على تنصيص أحد من الأئمة، ولم نجد إلا هذا الإسناد، فهل نحكم بالغرابة؟
الأوْلى عدم الحكم؛ لكثرة الأسانيد، وغياب بعضها مما لم يصلنا؛ كـ "مسند علي بن المديني المعلل" ويعقوب بن شيبة، وغيرها، ولذا تجد الدارقطني في "العلل" يذكر طرقا ليست موجودة في الكتب التي بين أيدينا.
لكن إذا قامت القرائن على ذلك؛ كتتابع أصحاب الدواوين المشهورة على روايته على وجه معين، خاصة إذا كان هذا الوجه ضعيفًا، أو ليس في الدرجة العليا من الصحة، أو يُروى من طريق راوٍ معين عن إمام مشهور - كشعبة والثوري ومالك - ولم يذكروا طريقا سواه، أو يروونه بإسنادٍ رواتُه لم تشتهر رواية بعضهم عن البعض الآخر = فهذه قرائن تفيد أن هذا الخبر ليس له إلا هذه الطريق.
واعلم أن بعض المتأخرين قد يتعقّب بعض الأئمة في الغرابة، ولكن عند التأمل يتبين أن هذا المتعقِّب قد أخطأ، وذلك بأن تكون هذه المتابعة خطأ ولا أصل لها، ولذا لم يلتفت إليها الأئمة ولم يشيروا إليها، وهذا كثير.
قال الطبراني: (حدثنا أحمد، قال: نا علي بن حُجْر، قال: نا شَرِيك، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله ﷺ: "لا نكاح إلا بولي".