للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتحادية، ولا الفرعونية، ولا القائلون بأنه في كل مكان بذاته، وطوائف بني آدم كلهم متفقون على أن الله تعالى ليس تحت العالم.

فقوله: "لو دليتم بحبل لهبط على الله" إذا هبط في قبضته المحيطة بالعالم فقد هبط عليه، والعالم في قبضته، وهو فوق عرشه، ولو أن أحدنا أمسك بيده أو برجله كرة وقبضتها يده من جميع جوانبها ثم وقعت حصاة من أعلى الكرة إلى أسفلها لوقعت في يده وهبطت عليه، ولم يلزم من ذلك أن تكون الكرة والحصاة فوقه وهو تحتها، ولله المثل الأعلى، وإنما يؤتى الرجل من سوء فهمه، أو من سوء قصده من كليهما، فإذا هما اجتمعا كمل نصيبه من الضلال.

وأما تأويل الترمذي وغيره له بالعلم، فقال شيخنا: هو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية بل بتقدير ثبوته، فإنه إنما يدل على الإحاطة، والإحاطة ثابتة عقلا ونقلا وفطرة كما تقدم، وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن النبي قال: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قِبَل وجهه؛ فإن الله قبل وجهه، ولا عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكا، ولكن ليبصق عن يساره، أو تحت رجله".

وفي حديث أبي رزين المشهور الذي رواه عن النبي في رؤية الرب تعالى، فقال له أبو رزين: كيف يسعنا وهو واحد ونحن جميع؟ فقال: "سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله: هذا القمر آية من آيات الله، كلكم يراه مخليا به، فالله أكبر من ذلك".

ومن المعلوم أن من توجه إلى القمر وقدر مخاطبته له، فإنه لا يتوجه إليه إلا بوجهه مع كونه فوقه، ومن الممتنع في الفطرة أن يستدبره ويخاطبه مع قصده له، وكذلك إذا قام إلى الصلاة فإنه يستقبل ربه وهو فوقه، فيدعوه من تلقائه، لا عن يمينه، ولا عن يساره، ويدعوه من العلو، لا من السفل.

<<  <  ج: ص:  >  >>