للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ثبت في "الصحيحين" عن النبي أنه قال: "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم"، واتفق العلماء على أن رفع البصر إلى السماء للمصلي منهي عنه.

وروى أحمد عن محمد بن سيرين: أن النبي كان يرفع بصره في الصلاة إلى السماء، حتى أنزل الله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ١ - ٢] فكان بصره لا يجاوز موضع سجوده.

فهذا مما جاءت له الشريعة تكميلا للفطرة؛ لأن الداعي السائل الذي أمر بالخشوع وهو الذل والسكون لا يناسب حاله أن ينظر إلى ناحية من يدعوه ويسأله، بل يناسب حاله الإطراق وخفض بصره أمامه، فليس في هذا النهي ما ينفي كونه فوق سماواته على عرشه، كما زعم بعض جهال الجهمية، فإنه لا فرق عندهم بين تحت التحت والعرش بالنسبة إليه، فلو كان الأمر كذلك لكان النهي ثابتا في الصلاة وغيرها، وقد قال تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٤٤]، فليس العبد منهيا عن رفع بصره إلى السماء مطلقا، إنما نهي عنه في الوقت الذي أمر فيه بالخشوع؛ لأن خفض البصر من تمام الخشوع، كما قال تعالى: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾ [القمر: ٧].

وأيضا فلو كان النهي عن رفع البصر إلى السماء؛ لكون الرب ليس في السماء، لكان لا فرق بين رفعه إلى السماء ورده إلى جميع الجهات، ولو كان مقصوده أن ينهى الناس أن يعتقدوا أن الله في السماء، أو يقصدوا بقلوبهم التوجه إلى العلو، لبين لهم ذلك بيانا شافيا، ولم يحملهم فيه على أدب من آداب المصلي، وهو إطراقه بين يدي ربه وخشوعه، ورمي بصره إلى الأرض، كما يفعل بين يدي الملوك، فهذا إنما يدل على نقيض قولهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>