فقد ظهر أنه على كل تقدير لا يجوز التوجه إلى الله تعالى إلا من جهة العلو، وأن ذلك لا ينافي إحاطته بالعالم وكونه في قبضته، وأنه الباطن الذي ليس دونه شيء، كما أنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وأن أحد الأمرين لا ينفي الآخر، وأن إحاطته بخلقه لا تنفي مباينته لهم، ولا علوه على مخلوقاته، بل هو فوق خلقه محيط بهم مباين لهم، إنما تنشأ الشبهة الفاسدة عن اعتقادين فاسدين:
أحدهما: أن يظن أنه إذا كان العرش كريا والله فوقه، لزم أن يكون كريا.
الاعتقاد الثاني: أنه إذا كان كريا صح التوجه إليه من جميع الجهات.
وهذان الاعتقادان خطأ وضلال؛ فإن الله سبحانه مع كونه فوق العرش، ومع القول بأن العرش كري، لا يجوز أن يظن أنه مشابه للأفلاك في أشكالها، كما لا يجور أن يظن به أنه مشابه لها في أقدارها ولا في صفاتها، فقد تبين أنه أعظم وأكبر من كل شيء، وأن السماوات والأرض في يده كخردلة في كف أحدنا، وهذا يزيل كل إشكال ويبطل كل خيال) (١).
* * *
قلت: وهذه المواضع لا تخالف ما تقدم تقريره من كون أبي عيسى من كبار أئمة أهل السنة والجماعة، كيف وقد نقل إجماع أهل العلم على إمرار نصوص الصفات على ظاهرها الذي يليق بالله ﷿، وغير ذلك مما يتعلق بأمور الاعتقاد، هذا مع أن بعض ما تقدم قد ذهب إليه غيره من أهل العلم، كتأويل نصوص الوعيد، وإن كان الأولى عدم ذلك، كما تقدم تقريره.