للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والناس في هذا الباب طرفان: طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف، فيشك في صحة أحاديث، أو في القطع بها، مع كونها معلومة مقطوعا بها عند أهل العلم به، وطرف ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظا في حديث قد رواه ثقة، أو رأى حديثًا بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته، حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة، أو يجعله دليلا له في مسائل العلم، مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط) (١).

وقال ابن رجب: (قد ذكرنا في كتاب العلم فضل علم علل الحديث، وشرفه وعزته، وقلة أهله المتحققين به من بين الحفاظ والمحدثين) إلى أن قال: (وأما أهل العلم والمعرفة والسنة والجماعة، فإنما يذكرون علل الحديث نصيحة للدين وحفظاً لسنة النبي ، وصيانة لها، وتمييزًا مما يدخل على رواتها من الغلط والسهو والوهم، ولا يوجب ذلك عندهم طعناً في غير الأحاديث المعللة، بل تقوي بذلك الأحاديث السليمة عندهم لبراءتها من العلل وسلامتها من الآفات، فهؤلاء هم العارفون بسنة رسول الله حقًا، وهم النقاد الجهابذة الذين ينتقدون انتقاد الصيرفي الحاذق للنقد البهرج من الخالص، وانتقاد الجوهري الحاذق للجوهر مما دلس به) (٢).

وقال ابن حجر: (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غايصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن


(١) "مجموع الفتاوى" (١٣/ ٣٥٢).
(٢) "شرح علل الترمذي" (٢/ ٨٠٥ - ٨٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>