للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المتأخرون، وهذا خلاف الصواب، بل الواجب الرجوع إلى تصرفاتهم وتتبع كلامهم (١).

ولأجل هذا حرصت على تتبع كلام أبي عيسى وتصرفاته في بيان مصطلحاته، وخاصة فيما بَيَّن مقصوده فيه، وقد تبين لي بحمد الله كثير من مقاصده من هذه المصطلحات، وعلمت دقة أحكامه، وأنَّه ينبغي الوثوق بها إلا إذا دل الدليل على خلاف ذلك.

بل إن طالب العلم إذا أراد أن يتمكن من الصناعة الحديثية بفنونها فعليه أن يكثر من النظر في هذا الكتاب، ويحرص على فَهْم عبارات مؤلفه،


(١) وقد نبه بعض أهل العلم إلى الاختلاف بين المتقدمين والمتأخرين في بعض المصطلحات، وأنَّه لا ينبغي تفسير مصطلحاتهم بما جاء عن المتأخرين، ومن ذلك ما ذكره العلامة ابن القيم في "إعلام الموقعين" (٢/ ٦٦)، قال: (مراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة -وهو اصطلاح المتأخرين-، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما: بتخصيص، أو تقييد، أو حَمْل مُطْلق على مُقَيد، وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم لَيسمّون الاستثناء، والشرط والصفة نسخًا، لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد، فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو: بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه، ومَنْ تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يُحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حملُ كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر).
وقال أيضا في موضع آخر (٢/ ٧٥): (وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورَّع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فَنَفَى المتأخرون التحريمَ عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سَهُل عليهم لفظ الكراهة وخَفّتْ مؤنته عليهم؛ فحمَله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير جدًّا في تصرفاتهم، فحصل بسبجه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة، وقد قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين يملك اليمين: أكرهه، ولا أقول: هو حرام. ومذهبه تحريمه، وإنما تورَّع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان).

<<  <  ج: ص:  >  >>