والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد، لكن لما كانت مفاسدُها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله ﷺ عنها.
كما أن كثيرًا من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة، لكن لما كانت مصلحتُه راجحة على مفسدته أمر به الشارع).
شروط إنكار المنكر:
فهذا يدل على أنه ليس كل معروف يؤمر به في الحال، ولا كل منكر ينهى عنه في الحال، بل يجب النظر في المآلات، فإذا كان المعروف المأمور به سيترتب عليه ما هو أعظم من المنكر، لم يحل الأمر به، وكذلك إذا ترتب على النهي عن المنكر ما هو أنكر منه لم يجز الإنكار.
وقد بين ابن القيم ﵀ هذا الأصل وتوسع في شرحه، وضرب على ذلك أمثلة، فقال (١):
(المثال الأول: أن النبي ﷺ شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله ﷺ، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله ﷺ، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله.
وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله ﷺ في قتال