للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: «لا، ما أقاموا الصلاة» (١)، وقال: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر، ولا ينزعن يدًا من طاعتِه» (٢).

ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر؛ فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها.

بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت وردِّه على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك -مع قدرته عليه- خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر (٣)، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء.


(١) أخرجه مسلم برقم (١٨٥٥) من حديث عوف بن مالك .
(٢) نص الحديث عن ابن عباس ، عن النبي ، قال: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات، إلا مات ميتة جاهلية». أخرجه البخاري برقم (٧٠٥٤)، ومسلم برقم (١٨٤٩). وأما قوله: «ولا ينزعن يدًا من طاعته»، فقد أخرجه الإمام مسلم عن عوف بن مالك ، ولفظه: سمعت رسول الله يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم»، قالوا: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه والٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة».
(٣) يشير إلى حديث عائشة ، قالت: قال لي رسول الله : «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة، ولجعلتها على أساس إبراهيم». أخرجه البخاري برقم (١٥٨٣)، ومسلم برقم (١٣٣٣)، واللفظ له.

<<  <   >  >>