للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القاعدة السابعة عشر: الوسائل لها أحكام المقاصد]

فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها، ووسيلة المباح مباح، والوسائل لها أحكام المقاصد، وكل ما كان حلالًا، فإن الله تعالى ورسوله أباحا الوسائل الموصلة إليه، وكل ما كان حرامًا، فإن الله تعالى ورسوله منعا الوسائل المفضية إليه.

قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (١): (لما كانت المقاصد لا يُتوصَّل إليها إلا بأسباب وطُرُق تُفْضِي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعةً لها مُعْتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقُرُبَات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصودٌ قصدَ الغاياتِ، وهي مقصودة قصد الوسائل؛ فإذا حَرَّمَ الربُّ تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تُفْضِي إليه فإنه يحرمُها ويمنع منها، تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يُقربَ حِمَاه، ولو أباح الوسائل والذرائع المُفْضِية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه تأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ فإن أحدَهم إذا منع جُنْدَه أو رعيته أو أهل بيته من شيء، ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصِّلة إليه لعُدَّ متناقضًا، ولحصل من رعيته وجنده ضدّ مقصوده.


(١) ينظر: إعلام الموقعين، ابن القيم (٤/ ٥٥٣).

<<  <   >  >>