للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القاعدة الخامسة والثلاثون: أحكام التكاليف تتفاوت بحسب التمكن من العلم والقدرة]

هذه القاعدة من القواعد الكبار التي تتدخل في أكثر الأحكام الشرعية، وهي تشبه قاعدة سابقة وهي: (لا واجب مع عجز، ولا محرم مع ضرورة)، وغيرها من القواعد.

وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية هذه القاعدة، وذكر تطبيقاتها وضوابطها فقال (١): (والأمر والنهي الذي يسميه بعض العلماء التكليف الشرعي هو مشروط بالممكن من العلم والقدرة، فلا تجب الشريعة على من لا يمكنه العلم كالمجنون والطفل، ولا تجب على من يعجز كالأعمى والأعرج والمريض في الجهاد.

وكما لا تجب الطهارة بالماء والصلاة قائمًا والصوم وغير ذلك على من يعجز عنه، سواء قيل: يجوز تكليف ما لا يطاق أو لم يجز؛ فإنه لا خلاف أن تكليف العاجز الذي لا قدرة له على الفعل بحال غير واقع في الشريعة، بل قد تُسقط الشريعة التكليفَ عمن لم تكمُل فيه أداة العلم والقدرة تخفيفًا عنه، وضبطًا لمناط التكليف وإن كان تكليفه ممكنًا، كما رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (٢)، وإن كان له فهم وتمييز؛ لكن ذاك لأنه لم يتم فهمه؛ ولأن العقل يظهر في الناس شيئًا فشيئًا؛ وهم يختلفون فيه، فلما كانت الحكمة خفية ومنتشرة قيدت بالبلوغ.


(١) ينظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٤٤ - ٣٤٨).
(٢) كما في حديث علي ، عن النبيِّ قال: «رُفِعَ القلم عن ثلاثةٍ: عن النَّائم حتى يستيقظَ، وعن الصَّبىِّ حتى يَحتَلِمَ، وعن المجنونِ حتى يَعقِلَ». أخرجه أبو داود برقم (٤٤٠٣)، وأخرجه أحمد في المسند برقم (٢٤٦٩٤)، عن عائشة .

<<  <   >  >>