للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما لا يجب الحج إلا على من ملك زادًا وراحلة عند جمهور العلماء؛ مع إمكان المشي لما فيه من المشقة، وكما لا يجب الصوم على المسافر مع إمكانه منه تخفيفًا عليه، وكما تسقط الواجبات بالمرض الذي يخاف معه زيادة المرض وتأخر البُرءِ وإن كان فعلها ممكنًا.

لكن هذه المواضع هي مما تختلف فيها الشرائع؛ فقد يوجب الله في شريعة ما يشق، ويُحَرِّم ما يشق تحريمه: كالآصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل، وقد يخفف في شريعة أخرى، كما قال المؤمنون: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وكما قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦].

وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، وقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾.

وقال النبي لأصحابه في قصة الأعرابي: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» (١)، وقال لمعاذ وأبي موسى: «يسِّرا ولا تعسِّرا» (٢)، وقال: «إن هذا الدين يسرٌ، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه» (٣).

وقال: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن أقوامًا شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات؛ رهبانية


(١) أخرجه البخاري برقم (٢٢٠)، من حديث أبي هريرة .
(٢) أخرجه البخاري برقم (٣٠٣٨)، ومسلم برقم (١٧٣٣).
(٣) أخرجه البخاري برقم (٣٩).

<<  <   >  >>