للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القاعدة الثانية والأربعون: ليس في الشريعة شيءٌ مشكوكٌ فيه

قال الإمام ابن القيم (١): (وأما القاعدة الثالثة وهي قاعدةُ الشك، ينبغي أن يعلم أنه ليس في الشريعة شيء مشكوكٌ فيه ألبتة، وإنما يَعْرض الشكُّ للمكلَّف بتعارض أمارتين فصاعدًا عنده، فتصير المسألة مشكوكًا فيها بالنسبة إليه، فهي شَكيَّة عنده، وربما تكون ظنيةً لغيره، أو له في وقت آخر، وتكون قطعية عند آخرين؛ فكون المسألة شكيَّة أو ظنيَّة أو قطعيَّة ليس وصفًا ثابتًا لها، بل هو أمر يعرض لها عند إضافتها إلى حكم المكلَّف.

وإذا عرف هذا فالشك الواقع في المسائل نوعان:

أحدهما: شكٌّ سببه تعارضُ الأدلة والأمارات، كقولهم في سؤر البغل والحمار: مشكوك فيه فيُتوَضَّأ به ويُتيمم، فهذا الشك لتعارض دليلي الطهارة والنجاسة، وإن كان دليل النجاسة لا يقاوم دليل الطهارة، فإنه لم يقم على تنجيس سؤرهما دليل، وغاية ما احتُج به لذلك قول النبي في الحمر الأهلية: «إنها رجس» (٢)، والرجس: هو النَّجَس.

وهذا لا دليل فيه، لأنه إنما نهاهم عن لحومها وقال: «إنها رجس»، ولا ريب أن شحومها ميتة لا تعمل الذكاة فيها فهي رجس، ولكن من أين يلزم أن تكون نجسة في حياتها حتى يكون سؤرها نجسًا، وليس هذا موضع هذه المسألة.


(١) ينظر: بدائع الفوائد (٣/ ٣٧١ - ٣٧٥).
(٢) أخرجه البخاري برقم (٤١٩٨)، ومسلم برقم (١٩٤٠)، عن أنس بن مالك .

<<  <   >  >>