للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

درجات إنكار المنكر:

فإنكار المنكر أربع درجات:

الأولى: أن يزولَ ويخلفه ضده.

الثانية: أن يقلَّ وإن لم يزل بجملته.

الثالثة: أن يخلفَه ما هو مثله.

الرابعة: أن يخلفَه ما هو شرٌّ منه؛ فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة؛ فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج، كان إنكارك عليهم من عدم الفقه والبصيرة، إلا إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله كَرَمْيِّ النُّشَّاب (١) وسباق الخيل ونحو ذلك.

وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مُكاء وتصدية (٢)، فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد، وإلا كان تركهم على ذلك خيرًا من أن تُفَرِّغهم لما هو أعظم من ذلك، فكان ما هم فيه شاغلًا لهم عن ذل.

وكما إذا كان الرجل مشتغلًا بكتب المجون ونحوها، وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال والسحر فدعه وكتبه الأولى، وهذا باب واسع.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصدُّ


(١) النُّشَّاب: بضم النون وتشديد المعجمة، جمع: نُشَّابه، وهي السهام. ينظر: تهذيب اللغة، الهروي (١١/ ٢٦٠)، والصحاح، الفارابي (١/ ٢٢٤).
(٢) المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، ينظر: مشكل الحديث وبيانه، الأصبهاني (ص ٣٤٥).

<<  <   >  >>