فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٢٦]؛ فقسم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق، وهو الوحي الذي أنزله الله على رسوله، وإلى الهوى، وهو ما خالفه.
وقال تعالى لنبيه ﷺ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: ١٨ - ١٩]؛ فقسم الأمر بين الشريعة التي جعله هو سبحانه عليها وأوحى إليه العمل بها، وأمر الأمة بها، وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون؛ فأمر بالأول، ونهى عن الثاني.
وقال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٣]؛ فأمر باتباع المنزل منه خاصة، وأعلم أن من اتبع غيره فقد اتبع من دونه أولياء.
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩]؛ فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله ﷺ، وأعاد الفعل إعلامًا بأن طاعة الرسول ﷺ تجب استقلالًا من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقًا، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه (١)، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالًا، بل حذف الفعل، وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول؛ إيذانًا بأنهم إنما يطاعون تبعًا لطاعة الرسول ﷺ، فمن أمر منهم بطاعة الرسول
(١) يشير إلى حديث المقدام بن معدي كرب الكندي ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه»، أخرجه أحمد في المسند برقم (١٧١٧٤).