للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدار فقال الزوج: إنْ خَرَجْتِ من الدار فأنت طالق، فجلست ساعة ثم خرجت لا تطلق.

وكذلك لو أراد رجل أن يضربَه فحلف آخر ألّا يضربه، فهذا على تلك الضربة، حتى لو مكث ساعة ثم ضربه لا يحنث، ويُسمَّى هذا يمين الفور (١)، وهذا لأن الخرجة التي قصد والضربة التي قصد هي المقصودة بالمنع منها عرفًا وعادة، فيتعيَّن ذلك بالعرف والعادة.

فإذا دخل الرجل على رجل يتغدَّى فقال: تعال تغدَّ معي، فقال: واللَّه لا أتغدَّى، فذهب إلى بيته وتغدَّى مع جميع أهله لا يحنث، وكذلك إذا قال الرجل لغيره: كل مع فلان، فقال: واللَّه لا آكل، ثم ذكر تقرير ذلك بأنه جواب لقول الآمر له، والجواب كالمعاد في السؤال؛ فإنه يتضمن ما فيه، قال: وليس كابتداء اليمين؛ لأن كلامه لم يخرج جوابًا لتقييد، بل خرج ابتداءً، هو مطلق عن القيد فينصرف إلى كل غداء، قال: وإذا قال لغيره: كلِّم لي زيدًا اليوم في كذا، فقال: واللَّه لا أكلِّمه، فهذا يختص باليوم؛ لأنه خرج جوابًا عن الكلام السابق، وعلى هذا إذا قال له: إيتني اليوم، فقال: امرأته طالق إنْ أتاك.

وقد صرح أصحاب أبي حنيفة بأن النية تعمل في اللفظ لتعيين ما احتمله اللفظ (٢)، فإذا تعين باللفظ ولم يكن اللفظ محتملًا لما نوى لم تؤثر النية فيه؛ فإنه حينئذ يكون الاعتبار بمجرد النية، ومجرد النية لا أثر لها في إثبات الحكم؛ فإذا احتملها اللفظ فعيَّنت بعض محتملاته أثَّرت حينئذ، قالوا: ولهذا لو قال: إن لبستُ ثوبًا أو أكلتُ طعامًا أو شربتُ شرابًا أو كلمتُ امرأة فامرأتي طالقٌ، ونوى


(١) فعلى هذا: لو أن أحد الوالدين حلف أنه لا يعطي ابنه مالًا، فلو أعطاه بعد ساعة لا يحنث لأن هذا هو يمين الفور، فلا يقصد الوالد ألا يعطي ابنه أبدًا.
(٢) ينظر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٤/ ٢٢٢).

<<  <   >  >>