للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهم مناهج الفتوى ويطلعه على حقائق الفقه ومآخذه، ويمكنه من تخريج الفروع بطريقةٍ سليمة منهجية، ويجنبه التناقض الذي قد يترتب على التخريج اعتمادًا على المسائل الجزئية.

فالشريعة تسوي بين المتماثلين في الأحكام الشرعية، وتلحق الشيء بنظيره، كما قال ابن القيم (١): (وأما أحكامه الأمرية الشرعية فكلُّها هكذا، تجدها مشتملة على التسوية بين المتماثلين، وإلحاق النظير بنظيره، واعتبار الشيء بمثله، والتفريق بين المختلفين، وعدم تسوية أحدهما بالآخر.

وشريعته سبحانه منزهة أن تنهى عن شيء لمفسدة فيه، ثم تبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة أو مثلها أو أزيد منها، فمن جوَّز ذلك على الشريعة فما عرفها حق معرفتها؛ ولا قدَّرها حق قدرِها، وكيف يُظن بالشريعة أنها تبيح شيئًا لحاجة المكلف إليه ومصلحته، ثم تحرم ما هو أحوج إليه والمصلحة في إباحته أظهر، وهذا من أمحل المحال.

وقد فطر الله سبحانه عباده على أن حكمَ النظير حكمُ نظيره، وحكمَ الشيء حكمُ مثله، وعلى إنكار التفريق بين المتماثلين، وعلى إنكار الجمع بين المختلفين، والعقل والميزان الذي أنزله الله سبحانه شرعًا وقدرًا يأبى ذلك).

والقواعد الفقهية هي التي تجمع بين المتماثلات، بحيث يستطيع الفقيه معرفة حكم الشيء من خلال أشباهه ونظائره من المسائل، وإن خفي عليه دليل الحكم الخاص في هذا الشيء بعينه، ولا يكون ذلك إلا للفقهاء الكبار الذين عرفوا مقاصد الشريعة، وتناسق أحكامها، وزادت ملكتهم الفقهية من خلال


(١) (ينظر: إعلام الموقعين، ابن القيم (١/ ١٤٩).

<<  <   >  >>