للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجه، ولهذا قال: «مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها» (١).

فكان حاله كله في مأكله ومشربه ولباسه ومساكنه حال مسافر، يقنع في مدة سفره بمثل زاد الراكب من الدنيا، ولا يلتفت إلى فضولها الفانية الشاغلة عن الآخرة، وخصوصًا في حال عباداته ومناجاته لله، ووقوفه بين يديه واشتغاله بذكره، فإن ذلك كان هو قرة عينه).

فكل أحد في الدنيا هذا شأنه، فإنه عن قريب سيرحل عنها، ولا يبقى له منها شيء إلا ما قدمه من عمل صالح.

قال الطيبي في قوله : «إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها»: (تشبيه تمثيلي، ووجه الشبه سرعة الرحيل، وقلة المكث، ومن ثمة خصَّ الراكب.

قال عيسى : «يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن يبني على موج البحر دارًا؟». قالوا: يا روح الله ومن يقدر؟، قال: «إياكم والدنيا لا تتخذوها قرارًا».

والحديث تزهيدٌ في الدنيا وتحقيرٌ لها، وترغيبٌ في الآخرة، فإنها الحيوان (٢)، وإذا كان زهد فيها أفضل الخلائق الذي لو توسع لما خيف عليه ما يخاف على غيره، فغيره بالأولى) (٣).


(١) أخرجه أحمد في المسند برقم (٤٢٠٨)، وابن أبي شيبة في المصنف برقم (٣٤٣٠٣)، وأبو يعلى في المسند برقم (٤٩٩٨)، عن ابن مسعود ، وصححه الأرناؤوط.
(٢) كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ [العنكبوت: ٦٤]: قال البدر العيني في عمدة القاري (١٩/ ١٠٨): (يعني الدار الباقية التي لا زوال لها ولا موت فيها، وقيل: ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة خالدة لا موت فيها، وكأنها في ذاتها نفس الحيوان، والحيوان مصدر حي).
(٣) ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (٩/ ٤٣٥).

<<  <   >  >>