للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجوارح، ولهذا كان أبو سليمان يقول: لا تشهد لأحد بالزهد، فإن الزهد في القلب.

أحدها: أن يكون العبد بما في يد الله أوثق منه بما في يد نفسه، وهذا ينشأ من صحة اليقين وقوته، فإن الله ضمن أرزاق عباده، وتكفل بها، كما قال: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: ٦]، وقال: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢]، وقال: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ﴾ [العنكبوت: ١٧].

وقال الحسن: إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله ﷿ (١).

وقال مسروق: إن أحسن ما أكون ظنًّا حين يقول الخادم: ليس في البيت قفيز من قمح ولا درهم (٢).

وقيل لأبي حازم الزاهد: ما مالك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس (٣).

وقيل له: أما تخاف الفقر؟ فقال: أنا أخاف الفقر ومولاي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟!

كذلك كان زاهدًا في الدنيا حقيقة، وكان من أغنى الناس، وإن لم يكن له


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين برقم (٣٣)، والقناعة والتعفف (ص ٥٠)، والتوكل وسؤال الله ﷿ لعبد الغني المقدسي برقم (٣١).
(٢) ينظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (٢/ ٩٧)، ومصنف ابن أبي شيبة برقم (٣٤٨٧١)، والزهد لهناد برقم (٥٩٢)، وصفة الصفوة لابن الجوزي (٢/ ١٥).
(٣) ذكره أبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (٥/ ٢١).

<<  <   >  >>