للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعليق:

معنى الحديث: أن من بلغ الستين لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مُدَّ لي في الأجل لفعلت ما أمرت به.

يقال: أعذر إليه: إذا بلَّغه أقصى الغاية في العذر، ومكَّنه منه، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له، فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية.

ونسبة الإعذار إلى الله مَجَازِيَةٌ، والمعنى: أن الله لم يترك للعبد سببًا في الاعتذار يتمسك به، والحاصل: أنه لا يعاقب إلا بعد حُجَّةٍ (١).

وبالجملة: فالمقصود: أن من بلغ ستين إذا لم يتب، ومات على المعصية، فلو عذبه الله تعالى لكان تطويله العمر وتقريبه إلى الموت مع إصرار ذلك الرجل على المعصية يصير بمنزلة العذر لله في عذابه، فصار كأنه أتى الله إليه بالعذر إن عذبه لإصراره على المعصية، فلم يبق للعبد عذرٌ؛ بل العذر قد قام لله تعالى، والله تعالى أعلم.

وقيل: الهمزة في: «أعذر»، للسلب، أي: أزال عذرَه (٢)، فإذا لم يتب إلى هذا العمر، لم يكن له عذر، فإن الشاب يقول: أتوب إذا شخت، والشيخ ماذا يقول؟!

وقيل: أقام الله عذره في تطويل عمره وتمكينه من الطاعة مدة مديدة (٣)، كأن المراد: أنه ألقى إليه عذره بتطويل العمر ليعتذر به، بحيث لا يبقي له إلا الاستغفار والطاعة، والإقبال إلى الآخرة بالكلية.


(١) ينظر: فتح الباري لابن حجر (١١/ ٢٤٠).
(٢) ذكره ابن الملك في شرح مصابيح السنة (٥/ ٤٢٢)، والعيني في عمدة القاري (٢٣/ ٣٦)، والصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير (١٠/ ٢٥).
(٣) ينظر: اللامع الصبيح للبرماوي (١٥/ ٤٥٣)، وعمدة القاري للعيني (٢٣/ ٣٦).

<<  <   >  >>