للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾، لأنهم لما أضمروا خلاف ما أظهروا خافوا الاطلاع عليهم، فكلما سمعوا صيحة ظنوا أنها عليهم، وهكذا كل مريب يُظهر خلاف ما يضمر يخاف من أدنى شيء ويحسبه عليه.

وأما المؤمن فبعكس هذه الصفات، غالبهم مستضعفون في ظاهر أجسامهم ولباسهم وكلامهم؛ لأنهم اشتغلوا بعمارة قلوبهم وأرواحهم عن عمارة أجسادهم.

فقلوبهم ثابتة قوية عامرة، فيكابدون بها الأعمال الشاقة في طاعة الله من الجهاد والعبادات والعلوم وغيرها مما لا يستطيع المنافق مكابدته؛ لضعف قلبه، ولا يخافون من ظهورِ ما في قلوبهم إلا خشية الفتنة على نفوسهم، فإن بواطنهم خير من ظواهرهم، وسرهم أصلح من علانيتهم.

قال سليمان التيمي: أتاني آت في منامي فقال: يا سليمان إن قوة المؤمن في قلبه (١).

ومن قوة قلب المؤمن وثباته أنه ثابت على الإيمان، فالإيمان الذي في قلبه مثله كمثل شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فيعيش على الإيمان ويموت عليه ويبعث عليه، وإنما الرياح وهي بلايا الدنيا تقلب جسمه يمنة ويسرة، وكذلك قلبه لا تصل إليه الرياح؛ لأنه محروس بنور الإيمان.


(١) ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات، برقم (٨٤)، بلفظ: (يَا سُلَيْمَانُ الْمُؤْمِنُ فِي قَلْبِهِ).
وقد ورد بلفظه عن شميط بن عجلان، قال: إن الله ﷿ جعل قوة المؤمن في قلبه، ولم يجعلها في أعضائه، ألا ترون الشيخ يكون ضعيفًا يصوم الهواجر، ويقوم الليل، والشباب يعجز عن ذلك، ينظر: شعب الإيمان برقم (٢٩٠٥)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (٣/ ١٣٠)، وترتيب الأمالي الخميسية للشجري برقم (١٤٧٣)، وصفة الصفوة لابن الجوزي (٢/ ٢٠٢).

<<  <   >  >>