ولكنه كان لا يديم وعظهم، بل يتخولهم به أحيانًا، كما في الصحيحين (١)، عن أبي وائل، قال: كان عبد الله بن مسعود ﵁ يذكِّرنا كل يوم خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، إنا نحب حديثك ونشتهيه، ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم، فقال: ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهة أن أملَّكم، إن رسول الله ﷺ كان يتخوَّلنا بالموعظة كراهة السآمة علينا.
وقوله ﷺ:«أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة».
فهاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة.
أما التقوى: فهي كافلة بسعادة الدنيا والآخرة لمن تمسك بها، وهي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: ١٣١].
وأصل التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه.
ويدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات، وترك المحرمات والشبهات، وربما دخل فيها بعد ذلك فعل المندوبات، وترك المكروهات، وهي أعلى درجات التقوى، قال الله تعالى: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ١ - ٣].